تكريم نوري بوزيد ودرس اسامة محمّد
هلى هامش مهرجان كانّ
2011.05.13 - على هامش مهرجان كان السينمائي،
أطلق المجتمع السينمائي الدولي يوم الأربعاء 12 أيار/مايو موقفاً
تأييدياً بارزاً للسينمائيين العرب وثوراتهم على الأنظمة
الديكتاتورية. فقد منح وزير الثقافة الفرنسي فريديريك ميتران
السينمائي التونسي نوري بوزيد وسام الشرف الفرنسي برتبة فارس، فيما
استضافت تظاهرة "نصف شهر المخرجين" السينمائي السوري اسامة محمد، من
بين آخرين، في جلسة حوارية حول "صناعة الافلام في ظل نظام ديكتاتوري".
جاء تزامن الحدثين من موقعين ومكانين مختلفين ليسلّط ضوءاً إضافياً
على ما يمكن اعتباره حضوراً استثنائياً للسينما العربية في المهرجان
السينمائي الابرز في العالم. صحيح أن المشاركة العربية الرسمية تكاد
تقتصر على الشريط اللبناني "لوين هلق؟" لندين لبكي في قسم "نظرة ما"،
غير أن ذلك لا يقلّل من أهمية حضور أفلام أخرى في أطر تكريمية وخاصة،
لاسيما الفيلم المصري الجماعي "18 يوماً" في سياق التحية التكريمية
لمصر والوثائقي التونسي "لا خوف بعد اليوم" لمراد بن شيخ في قسم
العروض الخاصة. تأتي هذه المشاركة بعد غياب طويل للسينما التونسية عن
المهرجان، حيث كانت مشاركتها الأخيرة في العام 2000 من خلال "موسم
الرجال" لمفيدة تلاتلي الذي عرض في برنامج "نظرة ما". على البرنامج
ايضاً، عرض لفيلم روائي مصري آخر هو "صرخة نملة" لسامح عبد العزيز ضمن
"عروض الشاطىء" فضلاً عن تواجد كبير لسينمائيين وممثلين ومنتجين عرب،
مرافقين تلك العروض أو في سوق الأفلام.
تكريم بوزيد
استقبل
التونسيون الحاضرون في مهرجان كان السينمائي تكريم بوزيد بفرحة عارمة
وحضرالتكريم حشد من المدعوين من فرنسيين وعرب. اشاد فريديريك ميتران
بسينما بوزيد "الخاصة والقوية حيث الشخصيات ملاحقون بالعزلة، مع ذلك
فالجميع يعرف هنا التزاماتك ومعركتك وتعطشك الدائم للحرية... عبرك
أذكّر بالمبدعين وهؤلاء المدافعين عن الحرية في تونس بالامس كما
اليوم". وذكّر ميتران بأعمال بوزيد منذ فيلمه الاول "ريح السد" (1986)
الذي نال الجائزة الذهبية في قرطاج حينها وحضر في كانّ قبل أن يعرف
نجاحاً دولياً، لتستمر بعده مسيرة بوزيد المدافع عن المرأة كما عن
الرجل والذي تتميز أفلامه دائماً بملامسة قضايا اجتماعية وسياسية
وبجرأة الطرح ومواكبة تطور المجتمعات كما في "صفائح من ذهب" و"بيزنس"
و"تونسيات" وصولا الى "آخر فيلم" (Making Of).
في خطابه، توجّه ميتران إلى بوزيد قائلاً: "في عيونك التصوير
والصمود، معركة واحدة، وبهذه المناسبة أفكّر بكل هؤلاء الذين صوروا
الثورات القائمة وإن كانت حياتهم أحيانا الثمن... كنت رائداً وسباقاً
والشباب التونسي من أصحاب المدونات والذين يستخدمون الإنترنت والذين
ساهموا في خلق حركة مواطنية هم على نحو ما ورثتك، وهم اغتسلوا كما أنت
من الخوف والعيب الذي طوعّ النفوس".
وأوضح ميتران ان الوسام "يأتي مكافأة على مسيرتك الطويلة والطموحة
في خدمة سينما غير تقليدية... ورفضك لكل انواع المنع، وللاشعاع الذي
منحته لسينما المغرب والعالم".
من ناحيته قال نوري بوزيد الذي كان بدوره منفعلاً في كلمته التي
أعقبت تقليده الوسام: "مهرجان كان ساعدني كثيراً لأكون مع السينما
والحرية ولمقاومة الديكتاتور والوسام سيساعدني على مقاومة الظلامية
التي يمكن ان تؤلم" مشيراً إلى راهن الوضع في تونس.
وتوجه بوزيد إلى الجيل الشاب من المخرجين في تونس والحاضرين في
الحفل بالقول: "لا تقتلوا هذه الثورة بالنصر"، ودعاهم إلى التواضع كي
يتكوّنوا.
كما شدّد بوزيد على أنه لن يقبل بدولة او نظام إسلامي ولو معتدل
حتى ولو كان الاميركيون يسعون الى ذلك كما أوضح مشيراً إلى أنه "من
المهم احترام ارادة الشعوب التي قامت بالثورات وان يدعوها تختار وهي
بالتأكيد لن تكون ارهابية".
وفي تصريح خاص بوكالة فرانس برس قال بوزيد ان الاسلاميين امتطوا
موجة الثورة في حين لم يكونوا في الساحة خلالها واليوم بدأوا يظهرون
ويعلنون انهم يريديون الحكم وينشطون بعنف وقوة .
وكان بوزيد قد تعرض الشهر الماضي للإعتداء بآلة حادة على رأسه من
قبل متطرّف، يرجح أن يكون سببها طروحاته العلمانية. كما أقام دعوى ضد
مغني الراب الملقب بـ "بسيكو إم" صاحب الأغنية المشهورة التي يقول
فيها " لو كان لدي كلاشينكوف لافرغته كاملا في نوري بوزيد". ورفعت
الدعوى حين كرر الاغنية في حفل اسلامي في 17 نيسان/أبريل الماضي وصفق
له الجمهور المحتشد من حزب "النهضة". اختبر نوري بوزيد السجن
السياسي في السبعينات كما منع عدد من اعماله في عهد الرئيس المخلوع
زين العابدين بن علي. ويعتبر بوزيد أحد أهم المخرجين في تونس،
شارك في كتابة سيناريوهات أفلام بارزة مثل "عصفور السطح" لفريد بو
غدير الذي كان حاضراً في الاحتفال و"صمت القصور" لمفيدة التلاتلي
وكلاهما سجل نجاحاً كبيراً محلياً ودولياً. عرض مهرجان كان
السينمائي لبوزيد فيلما "ريح السد" (1986) و"صفائح من ذهب" (1989) في
قسم "نظرة ما". بينما عرض له "نصف شهر المخرجين" "بيزنس" عام 1992.
وحازت أعماله في مهرجان قرطاج السينمائي بشكل دوري على جوائز.
درس أسامة محمد
إلى كانّ عاد السينمائي السوري أسامة محمد ولكن هذه المرة ليس لعرض
فيلم كما فعل في العام 1988 حين قدّم باكورتها الروائية الطويلة "نجوم
النهار" في تظاهرة "نصف شهر المخرجين"، أو كما فعل في العام 2002
عندما استضاف قسم "نظرة ما" فيلمه الثاني "صندوق الدنيا". هذه المرة
جاء ليروي معاناة مستمرة، وإن لم تكن مقاربته بعيدة من الصورة أو
البحث عن لغة خاصة لمقاربة الظرف كما يفعل في أفلامه عادة. جاءت
مشاركته اشبه بصرخة احتجاج على الظلم والعنف الذي يشهده الشارع السوري
منذ بعض الوقت، محاوراً الجمهور بلغة الصورة من دون أن يتبعد من هموم
الناس والشارع. فقد حمل معه صورة النائب في البرلمان السوري رياض سيف
المعتقل حالياً وسواه من الفنانين والناشطين والناس العاديين، وأفكار
الثائرين في الشارع وغضبهم وكبرياءهم. بدا محمّد متماسكاً وجدياً
وساخراً، معتذراً من الحضور عما يمكن أن يبدو بروباغندا "لم افكّر
يوماً أنني يمكن أن اقوم بها". حاور محمد الحضور شارحاً ظروف
السينمائيين المستقلين عن الخطاب والمؤسسات الرسمية في سوريا،
ومعاناتهم لإنجاز أفلامهم. ولكنّ الشهادة الكبرى جاءت على شكل
نصّ، كتبه تعليقاً على ثلاث لقطات نشرت على الإنترنت لمراهق يقبّل
حذاء مسؤول عسكري. تبين الصور الثلاث المراهق إذ يهم بتقبيل الحذاء،
القبلة نفسها وما بعدها، حيث نراه عارياً مقيداً وآثار الرعب بادية
على وجهه والتعذيب على جسده. أطلق محمد عنوان "قبّل الصبي حذاء
الضابط: درس قراءة للمرحلة" جاء في مقدّمته:
" قَبَّلَ الصبيُّ الدَرْعاويُّ المُراهِقُ حِذاءَ
الضابطِ أو عُنْصُرِ الأمن أو المساعد أول !!
لا قدرة لدينا على مَعرفته أو التأكد من هويته .. فهو
يُعَرِّفُ عَنْ نفسه بالحذاء.
ففي الصورة التي يصورها الفاعلُ لا يظهر منه إلا
الحذاء.. حذاء الأمن .
والكاميرا تنظر من علٍ إلى الأسفل لأنَّ المراهق يركعُ هناك
ليقبِّلَ الحذاءَ فيعود للحياة.
الحياةُ حذاءٌ .
حذاءُ الأمن بوابةُ الحياة."
وفي مكانٍ آخر كتب اسامة:
" حين شاهدتُ ما شاهدتُ.. رأيتُهُ أنا .. رأيتُ في الصبيِّ
أنا.. وقَبَّلتُ معه الحِذاء.
هذه هي السينما غير النخبوية الموجهة للجماهير ... تصِل ُ
قَلْبَ المُشاهد وعقلَهُ وأحاسيسهُ على الفور وبلا
صعوبة.
سينما مُباشرة ولكنّها مليئة بالمجازات مليئة بالصور التي
تتوالد من الصور
و حتى أنها بالنهاية تطرح سؤالا وُجُودياً.
السينما رسالة. أليس كذلك ؟
أنا وصلتني الرسالة .. وأعتقد أنها في لحظةٍ مِنْ ما نُسميه
يَقظةَ الضَمير وَصَلَتْ كلَّ سوريّ من درعا إلى قامشلو مروراً بدوما
وحمص السوريّ . والساحل
وأعتقدُ أنهم جميعاً ما عدا بعض الأحذية .. لم يشعروا إلاّ
بالعار وبالجريمة ؟
الصورةُ وَحْدَها كافية ليَخْرُجَ البشريون احتجاجاً على
الحذاء."
وفي ثالث قال:
"لا صورة للشهيد "..." على الشاشة الوطنية
في التلفزيون الوطني قُتِلَ الشابُ على يد مَبْنيٍّ
لِلْمَجْهُول يَكيدُ بالوطن.
ولأنَّ القاتِلَ مَجْهول.. أصبحَ القتيلُ مجهولاً.
حُذِفَ الشهيد من المشهد واحتلَّ القاتِلُ مَكَانَه ... ولأنَّ
القاتِلَ غَامِضٌ لا صورةَ لهُ
فقدْ أصبح لُغَةً ... حَلَّت الكلمةُ مكانَ الصورة كما
في السينما الرديئة.
بَدأتْ خلايا الكلمة تتكاثر حتى صارت صورةً لا صورةَ لها
اسمها العصابة.
وراح المَشْهَدُ الرسميُّ يَنْفِخُ فيها من رُوحِه و يوقدُ
جَمْرَ المُخَيِّلةِ الجَمْعيَّة والخوف الجَمْعيّ ... ليَبْنِيَ كُلٌ
صورةَ المجهول على هوى خوفه.
الصورة مقابل الصورة
الخوف مقابل الحريّة"