كان الـ64: فون ترير "غير مرغوب فيه" وألمودوفار مخيّب
كان- ريما المسمار
2011.05.20 - حملت الدورة الرابعة والستون من
مهرجان كان السينمائي التي تختتم يوم الأحد المقبل الثاني والعشرين من
أيار/مايو الجاري فضيحة مع تسمية إدارة المهرجان المخرج الدنماركي
لارس فون ترير "شخصاً غير مرغوب فيه" وطرده من الإحتفالية الرابعة
والستين، مع بقاء فيلمه داخل المسابقة. وجاء القرار على خلفية
التصريحات التي أطلقها في مؤتمره الصحافي، معلناً تعاطفه مع هتلر
وهاذياً بأمور شتى مثل اصوله النازية وأفلام البورنو وسواها. الجلسة
التي وصفها الصحافيون الحاضرون بالغريبة، تخللتها تصريحات وتصريحات
مضادة، ولاحقاً اعتذار من فون ترير الذي أكد ان كل ما ذكره حول هتلر
والنازية لم يكن سوى مزحة. لم يستثر الخبر ردود فعل كبيرة، بل ظلّ في
إطاره الخبري على الرّغم من أن خطوة المهرجان بطرد أحد المخرجين
المشاركين ومنعه من المشاركة في الإحتفالية أو دخول قصر المهرجان هي
الأولى من نوعها في تاريخه. واللافت أيضاً أن قرار المهرجان وضع حداً
لعلاقة طويلة بين السينمائي الدنماركي المستفز وبين المهرجان الذي عرض
كل أفلامه باستثناء عمل واحد فقط ومنحه السعفة الذهب عام 2000 عن
فيلمه "راقصة في الظلام". ومن المتوقّع أن يستمر الموضوع خلال اليومين
المقبلين باستثارة ردود فعل، لاسيما حول كيفية تأثيره على حظوظ فيلمه
في المسابقة، مع العلم أن "ميلانكوليا" لا يقف من بين الأفلام الأفضل
في المسابقة.

إلى تلك الحادثة التي ختمت يوم المهرجان التاسع، أكمل كان بخليط
استثنائي من الرؤى والمقاربات الفنية والإجتماعية والسياسية التي لا
يمكنها الإجتماع والتجاور إلا تحت سقف السينما، وتحت مظلّة كان دون
سواه من المهرجانات السينمائية. ذلك أن الهرمية التي درج
المهرجان عليها تتيح له مجازفات من النوع الذي نقع عليه في الدورة
الحالية. لعبة توزيع أدوار واجتراح مساحات هي التي تجعل من كان
مهرجاناً لا يضاهى، قادراً على مفاجأتك باكتشافاته وباحتضاناته
وبتبنيه قضايا ربما لا تكون على المستوى الفني المطلوب ولكنّها جزء من
حراك عالمي، لا يستثنيه المهرجان. المسابقة هي غالباً "المقصلة"، حيث
لا تسامح مع زلات أو أخطاء الإدارة. والأخطاء تختلف عن الخيارات
المخيبة. المسافة بين الإثنين هي تلك الفاصلة بين فيلمي برتران
بونيللو "ذكريات بيت التسامح" (L'Apollonide: Souvenirs de la
Maison Close) وبيدرو ألمودوفار "الجلد الذي أحيا فيه" (The
Skin I Live In). الأول عمل ضعيف ومسطّح بشخصياته وحكاياته التي
تدور في مطلع القرن العشرين في بيت دعارة، زبائنه من الأثرياء وعلية
القوم. نساء كثيرات يحاول الفيلم أن يجعل من كل واحدة منهن بطلة
تراجيدية، ذات حكاية وخلفية، من دون أن يتمكّن من تحقيق ذلك مع أي
منهن. ربما يكون الضوء الشحيح الذي ينيره الفيلم حول مفهوم البغاء في
ذلك الزمن هو الإنجاز (المتواضع) الوحيد. ولكن خلا ذلك، ينتهي الفيلم
إلى مجموعة حكايات صغيرة وشخصيات غير مكتملة، تصعب متابعتها. أما شريط
ألمودوفار المنتظر بسبب من زيارات المخرج الإسباني المتكررة إلى كان
(آخرها كان في العام 2009 حيث عرض "عناقات متكسّرة" في المسابقة
الرسمية) ووقوفه من بين مخرجين قلائل في العالم قادرين على انتزاع
الغعترافين الجماهيري والنقدي، فزلّة للمخرج قبل أن يكون للمهرجان.
الفيلم الذي يدور في مساحات مألوفة بالنسبة إلى ألمودوفار مثل الهوية
الجنسية والجسد وتأثير الماضي والذاكرة في حاضر الشخصيات يقوم على
محاولة اسلوبية مبتكرة لصاحب "كل شيء عن أمي" و"تحدّث إليها"، ولا
يخلو من تلاعبه المعتاد بالأنواع السينمائية ("الجسد الذي أحيا فيه"
مزيج من محاكاتين ساخرتين للتشويق والميلودراما)، ينطلق واعداً مع
حكاية الجراح (أنتونيو بانديراس في تعاونه الأول مع ألمودوفار منذ
عشرين عاماً) الذي يحاول إعادة إحياء زوجته المتوفاة حرقاً بحادث
سيارة. ولكن ذلك ليس إلا جزءاً صغيراً من الحكاية التي ستغرق في فبركة
مفتعلة، حيث يحوّل مغتصب ابنته إلى صورة عن زوجته. اثار ذلك الغفتعال
موجات من الضحك المتوتّر في الصالة على أمل أن يكون مجرّد دعابة تقود
إلى ما هو أعمق. إلا أن ألمودوفار اكتفى بها على نحو حوّل الفيلم إلى
ما يشبه النكتة الممجوجة.
بين خطأ بونيللو وخيبة ألمودوفار، انقسمت أفلام المسابقة الرسمية
بغير توازن بين أفلام كئيبة سوداوية وأخرى مشرقة ببصيص أمل. على
الجانب الأخير، استراحت أفلام الأخوين داردن (الصبي مع الدراجة)
والفنلندي آكي كوريزماكي (المرفأ) والفرنسي ميشال أزانافيسيو وإلى حد
ما الإيطالي ناني موريتي (لدينا بابا). اللافت في الأمر ان تجاور تلك
الأفلام حكايات العنف ضد الأطفال والعلاقات بين الآباء والأبناء
ونهايات العالم، سمح للأولى أن تكون متنفساً حيوياً وأن تنال حظوة بين
نقّاد، ربما كانوا في دورة أخرى أقل سوداوية سينتقدون نعومة موريتي في
تناوله المجتمع البابوي وسيعلنون تخلي الأخوين داردن عن حدّتهما
المألوفة أو تنازل كوريزماكي عن ميله العدمي. إلا أن العكس تماماً
حدث، حيث الأفلام الثلاثة الأولى على لائحة النقّاد هي: "المرفأ"
لكوريزماكي، "الصبي مع الدراجة" للأخوين داردن و"الفنان" لأزانافيسيو.
إذا كان ذلك مؤشراً من اي نوع فإلى أن السينما مازالت في جانب منها
مطالبة ببثّ شيء من الأمل بالحياة. ولعلّ ما حرّك المشاعر في اتجاه
شريط كوريزماكي هو تأكيده على القيمة الإنسانية، وعلى قدرة الإنسان في
أحلك الظروف أن ينهض ويستعيد انسانيته بممارستها. على هذا النحو، بدا
الفيلم نوعاً من الرد على انعدام الأمل بالانسان والإنسانية في أفلام
مثل "يجب أن نتحدث عن كيفن" للين رامساي و"ميكايل" لماركوس شلاينزر
و"بوليس" لمايوين وغيرها. فيما جاء "الفنان" بفكرته الذكية ليقول أن
رأب الصدع ممكن بين جيلين وفنين وعصرين (السينما الصامتة والسينما
الناطقة) مرة أخرى عن طريق التعاطف الإنساني والحب. بين تلك الأفلام،
يبرز "شجرة حياة" تيرينس ماليك الأكثر طموحاً وفلسفية، معانقاً الحياة
والموت، الخير والشر، الكائن الهش والكون العظيم، الطبيعة والخالق.
كان من شأن ذلك التناقض والتقاطع أن يمنح مسابقة المهرجان حراكاً
حيوياً، ويفتح النقاش حول أمور كونية كبيرة وتفاصيل حياتية صغرى،
بانتظار أن يكتمل النصاب اليوم وغداً مع عرض الأفلام المتبقية في
المسابقة: "كان يا ما كان في الأناضول" للتركي نوري بيلج جيلان، "لا
بد من ان هذا هو المكان" للإيطالي باولو سورينتينو و"منبع النساء"
لرادو ميهليانو.
موريتي وسيدر ينالان من الرموز
بين الفيلمين الإيطالي "لدينا بابا"
والإسرائيلي "حاشية" (Footnote) نقطة اساسية مشتركة هي نيل
كل منهما من رمز أمّته: رجال الدين في الاول والنخبة الأكاديمية في
الثاني. وكلاهما يسلك إلى غايته عبر طريق مؤسلب وشيء من الذهنية
الثقيلة. بعد افتتاحية مذهلة في عالم رجال الدين وطقوس الفاتيكان،
مولفة من مشاهد حقيقية لجنازة البابا جون بول الثاني وأخرى داخل
ديكور بني في استديوات شينيشيتا على صورة كنيسة سيستين، ينتقل موريتي
إلى تصوير جلسة انتخاب البابا الجديد. رجال الدين كتلة واحدة في
حركتهم ولفتاتهم وأدائهم. وجوه بغير ملامح إلى أن يسمعنا موريتي
اصواتهم الداخلية التي ترجو الله ألا يقع الإختيار عليها. يستجاب
لدعاءاتهم إذ يجمع الكاردينالات على انتخاب المجهول "ميلفي" (ميشال
بيكولي). على الرغم من فرحة الأخير (وربما دهشته) باختياره، يرفض أن
يطل على الجماهير المحتشدة قبالة الفاتيكان إذ يتحكّم الهلع به مردداً
انه لا يستطيع تحمّل تلك المسؤولية. يرسو خيار المتحدّث باسم
الفاتيكان "ستور" (ريناتو سكاربا) على المحلل النفسي الشهير والملحد
"بريتزي" (موريتي) لمعالجة البابا من حالة العجز. بعد جلسة طريفة
ومفتوحة بحضور رجال الدين الآخرين، لا تؤدي غرضها، يؤخذ البابا الجديد
إلى طبيبة نفسية اخرى هي زوجة "بريتزي" مؤمنة بأن علاقة الفرد بعائلته
هي اصل كل علة نفسية. ولكن البابا يهرب، تاركاً الفوضى تعم الفاتيكان.
يخفي "ستور" الخبر موظفاً كومبارساً للمكوث في غرفة البابا لالتهام
طعامه وانتحال ظلّه، بينما يقنع الباقين بأن البابا معتكف في غرفته.
بين "بريتزي" العالق داخل الفاتيكان والبابا الذي يجوب شوارع روما
محاولاً استعادة طفولته وأحلامه، ينقسم الفيلم بغير توازن ولا ترابط.
فعلى الجهة الأولى، يعيش "بريتزي" يوميات كاردينال ساخراً من كل شيء.
بينما يقوم "ميلفي" برحلة اكتشاف الذات مستعيداً علاقته بالمسرح من
خلال فرقة مسرحية جوالة تقوم بتمارين على مسرحية تشيخوف "النورس". مثل
الاخيرة، يحاول الفيلم قول شيء حول هشاشة الإنسان ومحاولاته غير
المجدية للتحكم بقدره، إلا أن الصلة بين تلك المشاهد المسرحية والفيلم
تبقى مفبركة والرمز غير واضح، كأن موريتي أراد أن يضيف ثقلاً خوفاً من
أن يخبّر قصته البسيطة ببساطة. على الرغم من اداء بيكولي الرائع،
بمزيج الإله والإنسان، لا يلتئم جزءا الفيلم جيداً، لاسيما أن الشق
المتعلق بالفاتيكان يبقى مدجّناً وناعماً، يثقله حضور موريتي
الواعي.
على صعيد آخر، لا يوفّر جوزيف سيدار نقداً حاداً في تناوله حكاية
الباحث الأكاديمي "إيليزر شكولنك" (شلومو بار آبا) المتخصص بالكتابات
التلمودية الذي يعاني من التجاهل والإنكار. يتعزّز إحساسه بالتهميش مع
تحقيق ابنه البروفيسور "أوريل" (ليور اشكينازي) النجاح تلو الآخر،
منضماً إلى أكاديمية العلماء وناشراً الكتب تلو الآخر عن النصوص
التلمودية ايضاً. الفيلم بمعظمه مروي من وجهة نظر الأب، بما يبرّر
قليلاً الموسيقي التفخيمية التي تثقل الفيلم في وصفها امتداد لعالم
الاب المتعاظم في ذهنه. إلى ذلك الخيار غير المحسوب، يلجأ سيدر إلى
أسلبة عالية، مستعيناً بمونتاج سريع والشاة المقطّعة ليسلط الضوء على
أبرز المحطات في حياة كل من الأب والأبن المسؤولة عن تكوين شخصيتيهما
ووصولهما إلى ما هما عليه. وسط دهشة الجميع، يتلقة "شكولنك" اتصالاً
يفيد بنيله جائزة إسرائيل الموقّرة. ومصدر الدهشة أن المسؤول عن مجلس
إدارة الجائزة هو أحد المنافسين اللدودين لشكولنك والمسؤول المباشر عن
هدر الأخير ثلاثين عاماً من البحوث. ولكن ذلك ليس سوى جزء يسير من
الحكاية التي ستكشف عن خطأ إعلام الأب بالجائزة التي يجب أن تذهب إلى
ابنه. منذ تلك اللحظة، سيتّخذ الفيلم مساراً أهدأ، مركّزاً على
العلاقة بين الأب والإبن والمنافسة المدمّرة التي تقود الأول إلى
تسخيف إنجازات ابنه، فيما تضع الثاني في مواجهة مع مشاعره المتناقضة
تجاه والده، من خلال إجباره على التنازل عن الجائزة سراً وكتابة
الأسباب التي حملت لجنة جائزة إسرائيل إلى منح "شكولنك" الجائزة. الشك
الذي يقوم الفيلم عليه يتحرّك في اتجاهات كثيرة: الشك في القيمة
الأكاديمية لكل من الاب والإبن، الشك في الكتابات المقدّسة نفسها بسبب
من التباين بين نسخها الكثيرة، الشك نزاهة التكريمات والجوائز... ولكن
المشكلة في فيلم سيدر أنه شديد الإنغلاق على موضوعه وشخصياته وآرائه
واستنتاجاته. عمل مخطّط له، لا يترك متنفساً للتأويل أو التحليل أبعد
مما يقال. فإذا أضفنا ذلك إلى ثقل الموضوع وتخصصيته، بدا لنا الفيلم
غير قادر على توليد نقاش حيوي أو علاقة تواصل مع مشاهده.
أزانافيسيو "الفنان" وفون ترير مبعد

أحد أكثر الأفلام بهجة في تاريخ مسابقة مهرجان كان الحديث،
"الفنان" متعة حقيقية وفيلم نادر عن سينما تبث الأمل والإلهام من دون
تنازلات. الأداء الكبير للممثلين الرئيسيين جان دوجاردان وبيرينيس
بيجو، يحمل هذا الشريط المصمم بالأبيض والاسود والصامت تماماً إلا من
مشهد يتيم ناطق. الإخراج فرنسي وكذلك الممثلان الرئيسيان، أما باقي
الممثلون فأميركيون وكذلك عناوين الفيلم الداخلية التي تظهر على
الشاشة بالإنكليزية. المخرج أزانافيسيو الذي لمع من خلال محاكاتيه
الساخرتين لأفلام الجاسوسية (OSS117)، يضمّن فيلمه الحالي
تحية إلى سينما هوليوود الصامتة والكثير من كلاسيكياتها. يقدم
دوجاردان البطل المثالي في شخصية الممثل الصامت "جورج فالنتين"
الموهوب بأدائه الجسماني وقدرته على التحكم بتعابيره والجماهيري
بما يفوق التصور. إلا أن دخول استديوات هوليوود عصر صناعة الأفلام
الناطقة، سيضع حداً لمسيرته التمثيلية لأسباب لا نعرفها إلا في
النهاية. فهو يؤكد أن الجمهور ياتي ليراه لا ليسمعه، في رد على
استغناء الاستديو عنه وتوظيف مواهب جديدة للمرحلة الجديدة. هكذا يغامر
جورج بإخراج فيلم صامت والتمثيل فيه في عنوان "دموع الحب"، يبدو اقرب
إلى فيلم وداعي ورثاء له وللمرحلة السينمائية التي يمثلها. في الوقت
الذي تنكفىء فيه مسيرة جورج، يصعد نجم "بيبي ميللر" فتاة الإستعراض
الموهوبة التي يلتقيها جورج صدفة قبيل تراجع نجوميته. بين سحر وتعقيد
جورج البائدين وشغف بيبي ورشاقتها، نشهد على نقطة التحول في تاريخ
السينما، ومرجعيات أزانافسيو كثيرة من ميرنو وتشابلن إلى أورسن ويلز.
من بعيد، تتابع بيبي انحدار جورج محاولة أن تساعده بشتى الطرق من دون
أن يعرف. الشريط مذهل تقنياً لاسيما مشهد الحلم حيث يجد جورج نفسه غير
قادر على النطق فيما الأصوات تملأ الأثير من حوله.
على النقيض تماماً، جاء الدنماركي الشهير لارس فون ترير، مخرج كان
الأثير، بجديده "ميلانكوليا" إلى المسابقة. الفيلم المصمم باسلوب بصري
يخطف الأنفاس، يقدم في فصلين حكاية العلاقة بين أختين "جاستين"
(كيرستن دانست) و"كلير" (تشارلوت غاينسبور حائزة جائزة أفضل ممثلة عن
دورها في فيلم فون ترير "المسيح الدجّال"). الفصل الأول المعنون
"جاستين"، يدور في قصر "كلير" وزوجها حيث يقام زفاف "جاستين". ولكن
الأمسية لا تلبث أن تتكشف عن مشكلات جاستين المتجذّرة
والمتعلّقة بعلاقتها المضطربة بوالدها الهارب دوماً من المواجهة إلى
متعه الصغرى والأم (تشارلوت رامبلينغ) الساخرة والمريرة والباردة. لا
يمر الفصل الأول من دون هنات من مثل اختيار "جاستين" ووالدتها
الإستحمام قبيل قطع قالب حلوى الزفاف أو خروج الأولى من مخردع
العروسين لمضاجعة شاب في ملعب الغولف الخارجي. ينتهي الزفاف بانفصال
العروسين. في الجزء الثاني المعنون "كلير"، محاولة تقرب بين الشقيقتين
على خلفية انهيار "جاستين" العصبي الكامل ومكوثها في قصر شقيقتها وهلع
الأخيرة من أخبار اقتراب كوكب "ميلانكوليا" من الأرض. على الرغم من
تأكيدات زوجها على أن لا خطر على الإنسانية، تبدو "كلير" مقتنعة (عن
حق) بانها النهاية. العالم على شفير النهاية في الفصل الثاني، بما
يحمل الشخصيات والحيوانات والطبيعة على الخروج عن طورها المعتاد في
مواجهة ما هو خطر محدق. على الرغم من المناخ الخاص الذي ينجع فون ترير
في صوغه، لا ينجح الفيلم في أن يكون فيلماً واحداً أو في أن يقدّم
أفكاراً سوى ذلك التأكيد الخانق على أن لا خلاص للبشرية. لم يستقبل
الفيلم في نهاية العرض الصحافي بترحاب كبير، ولعلّ مكانته برمته أصبحت
شائكة بعيد إصدار إدارة مهرجان كان تصريحاً بأن فون ترير بات يمثل
بالنسبة إليها "شخصاً غير مرغوب فيه" على خلفية تصريحه في المؤتمر
الصحافي تعاطفه مع هتلر، قبل أن تعلن طرده من المهرجان، في خطوة لا
تتلاءم مع الحرفية العالية التي تميز المهرجان، لاسيما أن الاخير غير
معني وغير مطّلع في العادة على خلفيات كل المخرجين الذين يستضيفهم
وآرائهم. ولكن ما أزعجها هو استغلال فون ترير منصة المهرجان لإطلاق
تصريحات من ذلك النوع.