المخرجة نادية الفاني تعلق على إيقاف عرض فيلمها في تونس
"الفيلم عن حرية التعبير وأكثر تسامحاً بكثير ممن هاجموا
العرض"
2011.06.28 - تعرّضت "سينمافريكار"
(CinèmAfricArt) الفنية في تونس لهجوم يوم الأحد الفائت، شنّته مجموعة
من الإسلاميين المتطرّفين إبّان انعقاد حدث ثقافي في عنوان "إرفعوا
أيديكم عن مبدعينا". وجاء الهجوم كرد فعل على عرض الشريط الوثائقي "لا
ربي لا سيدي" تحديداً لمخرجته التونسية نادية الفاني، حيث اقتحم
الملتحون صالة السينما وأعاثوا الخراب فيها فضلاً عن إلحاق الحاضرين،
ومن بينهم مدير الصالة حبيب بالهادي، بالضرب والإهانات والشتيمة.
الفاني المقيمة في فرنسا والتي لم تكن حاضرة في وقت العرض، قالت في
تعليق لموقع مهرجان ابوظبي السينمائي على الأحداث المخزية "هؤلاء
(المجموعة التي هاجمت الصالة) لم يشاهدوا الفيلم وإذا شاهدوه فسوف
يغيّرون رأيهم لأن الفيلم ليس ضد الإسلام كما يروّجون، بل هو فيلم عن
حرية التعبير والمعتقد، وفيه مساحات تسامح لا يتحلون هم بجزء يسير
منها."
ولفتت المخرجة إلى أن
الفيلم قدم في عرض أول في تونس في نيسان/أبريل الماضي في ختام مهرجان
الفيلم الوثائقي (Doc à Tunis) "وكان العرض جيداً جداً وكذلك الحوار
الذي تلاه مع الجمهور. ولكن بعد ذلك، شاهدوا (المهاجمين) الريبورتاج
التلفزيوني فبدأ الهجوم منذ ذلك الوقت وأهدروا دمي." وكان التحقيق
التلفزيوني مع المخرجة الذي عرضته قناة "هنيبعل" التونسية قد تضمّن
تعبير المخرجة الصريح عن تمسّكها بالإنتماء المدني والعلماني وتحرّرها
من الانتماء الديني.
انطلق تصوير "لا ربي لا سيدي" في تونس في آب/أغسطس 2010 بفكرة
إثارة النقاش حول النظام العلماني الذي تتوق إليه المخرجة وعدد كبير
من الناس. واضطرت المخرجة في حينه إلى الإعلان عن أن فيلمها يدور حول
طقوس شهر رمضان لتتمكّن من الحصول على موافقة الرقابة. وما إن انتهى
المشروع ودخلت مرحلة التوليف، حتى قامت الثورة في تونس: "كنت في
المونتاج ولم أكن أعتقد للحظة أن ثورة يمكن أن تقوم. لذلك، حملت
الكاميرا مجدداً بعد قيام الثورة ونزلت الشارع وأعدت تركيب الفيلم بما
يتلاءم مع التطوّرات على الأرض. التغيير الذي لحق بالفيلم طبيعي لأن
ما كنا نناقشه على صعيد أفراد وبشكل سري، اضحى بعد الثورة أحد محاور
النقاش الاساسية في تونس."
وعمّا يمكن أن تثيره تلك الحادثة من استنتاجات حول الوضع القائم في
تونس اليوم، علّقت الفاني: "الغريب في الأمر أن الشرطة لم تكن موجودة
واستغرقها الأمر أكثر من نصف ساعة منذ دخول المخرّبين إلى الصالة
لتصل. الأغرب أن هؤلاء هم نفس الوجوه التي نراها في أماكن كثيرة،
تخرّب وتهدّد وتقمع. وهو ليسوا بكثيري العدد فلماذا لا تعتقلهم الشرطة
وتحاكمهم؟ لا أجد تفسيراً سوى أن هنالك تواطؤ بين الشرطة
والإسلاميين."
وتضيف: "في هذه المرحلة، على الجميع أن يقوموا بعملهم كما يجب.
الشرطة والصحافيون والفنانون الذين لا يستطيعون العمل بدون حرية بعد
نصف قرن من القمع."
تؤكد الفاني أن عودتها إلى تونس أمر مؤكد: "لست خائفة ولن أتوقف عن
محاربتهم. أنا في باريس اليوم لأنني أخضع لعلاج لمرض السرطان ولكنن
سأعود إلى تونس حتماً. تونس بلدي وعلينا أن نتشاركها جميعاً."
المحطة التالية لفيلم "لا ربي لا سيدي" ستكون في الصالات الفرنسية
حيث ستبدأ عروضه التجارية قريباً تحت عنوان آخر هو "لايكية إن شاء
الله" ("لايكية" تعريب لكلمة Laïque الفرنسية).

ولدت نادية الفاني سنة 1960 من أب تونسي وأم فرنسية. ترعرعت في
تونس إلى أن انتقلت إلى باريس سنة 1982 لتبدأ مسارها السينمائي
كمتدرّبة مع المخرج جيري شاتسبورغ وفي الثمانينات كمساعدة إخراج مع
سينمائيين معروفين مثل رومان بولانسكي وفرانكو زيفيريللي ونوري بوزيد.
بقيت الفاني تتنقّل بين جهتيّ المتوسّط توزّع أوقاتها بين فرنسا وتونس
إلى أن استقرّت سنة 1990 في مدينة سيدي بو سعيد المطلّة على خليج
قرطاجة وأسّست شركتها الإنتاجية "زيو نوار موفيز" (Z'Yeux Noirs
Movies). أنجزت الفاني مجموعة أفلام قصيرة كما عملت في كتابة
السيناريوهات، لكنّها انتظرت ما يقرب من العقدين قبل أن تقوم بإخراج
فيلمها الطويل الأول "قرصانة عربية"" (Bedouin Hacker) سنة 2002 الذي
أحدث ضجة بين نقّاد السينما في الصحافتين العربية والعالمية. وأتبعته
في العام 2007 بالشريط الوثائقي الطويل "أولاد لينين" الذي تعيد
فيه قراءة مرحلة ما بعد الإستقلال في تونس، الممتدّة بين الخمسينات
والثمانينات من القرن الماضي، وذلك من خلال حوارات تجريها مع مناضلين
يسارييّن وشيوعييّن، مرتكزة على شهادات والدها الذي كان من مؤسسي
الحزب الشيوعي وأحد أبرز قياداته.