سؤال وجواب: مخرجة "العالم أمامها" نيشا باهوجا
الهند على مفترق الطرق
2012.10.10 - قبل العرض الأول لفيلم
"العالم أمامها" في مهرجان أبوظبي السينمائي، تجيب المخرجة نيشا
باهوجا في لقاء مع أوزغي كلافاتو عن أسئلتنا حول الفيلم الذي يقدم
رؤية استفزازية عميقة عن حياة المرأة الهندية, ويجاور في الوقت ذاته
بين مسابقة جمال الهند والجناح النسائي من حركة التشدد الهندوسية.

تقومين في فيلمك باختيار عالمين مختلفين كثيرا من الهند
لتجسيدهما على الشاشة. كيف قررت التركيز على هاتين القضيتين
المتناقضتين بشكل كلي؟
لقد فتنت بهذين العالمين المتناقضين، أولا لكونهما يبدوان متضادين
كقطبين بينما نكتشف لاحقا في الفيلم بأنهما في الحقيقة ليسا كذلك.
وثانيا لإحساسي بأن هذين العالمين يكشفان عن شيء لم يعد متعلقا بالهند
وحدها، والتي تمر بمرحلة انتقالية، بل متعلقا بالعالم ككل. بشكل ما
يمسك الفيلم بمرآة تعكس واقعنا الجمعي (المشترك) الحالي: والذي يتكون
من قوتين رئيسيتين، الرأسمالية والأصولية الدينية وكلاهما يشكل
أيديولوجية متجذرة.
أردت أيضاً أن أكشف النقاب عن كيفية استغلال المجتمع للمرأة
الهندية لتزييف هوية الهند الجديدة بالإضافة لكون المرأة نفسها تساعد
على ذلك. أردت أن أسلط الضوء على ما حصل في الهند، إحدى القوى العظمى
الناشئة في العالم، من تلاعب حول فكرة أن شهوانية المرأة مرتبطة
بوطنيتها وهي فكرة لم يتجاوز عمرها الخمسين سنة.
فيما يتعلق بالشخصيات التي أرصدها، روهي في عالم مسابقة الجمال هي
مجرد فتاة لماحة وممتلئة بالفرح تقدم قلبها على طبق من ذهب.
تسمح لنا بملامسة مدى سهولة تعرضها للأذى، الشيء الذي تحاول أغلب
الفتيات إخفاءه بتكتم. بالإضافة إلى حبي الشديد لأهل روهي. كان من
المهم جدا للفيلم وجود رجل محب وداعم لابنته كما كان والدها. فليس كل
الرجال في الهند يؤمنون بنظام السلطة الأبوية المطلقة داخل
العائلة.
أما براتشي فهي بالطبع مميزة جدا بالنسبة لي. إنها التجسيد الرئيسي
لصراع التقاليد ضد الغربنة (تبني أسلوب حياة الغرب) الذي يصطدم به
الكثير من الأشخاص في الهند بغض النظر عن كونهم رجالا أم نساء. ولذلك
فشخصية براتشي هي الأكثر تعقيدا في الفيلم.
من الآسر في فيلمك هذا كيف تبدو لنا الشخصيات مختلفة
ومتنوعة لكنها بطريقة ما محبوسة داخل الحدود العريضة
للمجتمع.
أشعر أن الخيارات التي تواجهها فتيات الفيلم تعكس الخيارات نفسها
التي تواجهها الهند - إلى ماذا ستؤول حال تلك البلاد؟ كيف سيكون
مستقبلها؟ إلى أي مدى ستتخلى عن هويتها الثقافية و لأي حد ستتشرب قيم
الغرب؟ كما هي بارشي، الهند أيضا على مفرق طرق. هناك جانب أجده مثيرا
جدا للاهتمام وكنت أتمنى لو أتيح لي الوقت لطرحه في الفيلم وهو تأثير
القنوات الفضائية في الهند. تخيل ما سيكون عليه الأمر بأن تنتقل بين
ليلة وضحاها من قناة واحدة رسمية مدارة من قبل الدولة إلى عالم من
القنوات الفضائية اللا نهائية! هذا ما فعله روبيرت موردوخ عندما قدم
(أحضر) شبكة قنوات ستار إلى الهند. إن الأثر العميق لصدمة عملية
التحرير تلك سيأخذ مفعوله على مدى سنوات قادمة.
من اللافت للنظر قدرتك على الولوج إلى داخل عمليات التحضير
لمسابقة الجمال، بالإضافة إلى معسكرات الهندوس القوميين وتفاصيل حياة
براتشي. بكل الأحوال، ذكرت أن إيجاد إمكانية للتغلغل
إلى داخل تلك الأوساط بحيث تمكن الفيلم من تشخيص عوالم الشخصيات لم
يكن بتلك السهولة على الدوام. ما هي التحديات التي واجهتك على صعيد
بناء الثقة مع تلك الأطراف المختلفة، وسماح الشخصيات لك بالغوص إلى
عوالمها الداخلية؟
لم يكن هناك مطلقا أية أزمة ثقة مع الفتيات أنفسهن، بل كانت مع
الأوصياء على هذين العالمين. لكل من العالمين برنامج وصورة يحاول أن
يتشخصها ويشيعها (يروجها). سرعان ما تأخذ الأمور مسارا شائكا عندما
تقبل دعوتك إلى أحد هذين العالمين ومن ثم تبدأ بإثارة الأسئلة وتطلب
منهم إعادة النظر ببرامجهم.
الأمر الآخر، وخصوصا فيما يتعلق بمسابقة الجمال، هو ما كانت عليه
الأمور من قلة تنظيم: كان كل شيء يعاني من تقلب مستمر فلم يكن
بمقدورنا على الإطلاق معرفة ما الذي سنحصل عليه أو إن كنا سنتمكن من
تصوير الفتيات اللواتي كنا بحاجة لتصويرهن. وبالطبع كل هذا كان وفق
معايير التوقيت الهندي.
هل حصلت أي حالات اضطرتك إلى توقيف التصوير لأن شخصياتك لم
تكن موافقة على الطريقة التي تم تقديمها بها من خلال
الفيلم؟
حصل في كلا العالمين أن طلب من المنظمين توقيف التصوير بحالات
مختلفة، الأمر الذي لم تفعله الفتيات مطلقا على ما أذكر. أحيانا
كانتفتيات مسابقة الجمال يطلبن عدم عرض مقاطع معينة و قد احترمت ذلك
بنسبة كبيرة. أعتقد بأن هناك مقطع واحد فقط حيث أظهرت أحدا ما على عكس
طلبه، فقط قمت بتشويش وجوههم لكني لم أحذف المشاهد بالكامل.
هل لاحظت أي تغير في وجهة نظر الشخصيات أثناء أو بعد العمل
على الفيلم؟
ما يأسرك في الأمر أنهم يؤثرون بك بقدر ما تؤثر بهم. لم يخطر لي
بأني سأكون مهتمة بهذا القدر بفتاة أصولية وعائلتها كما فعلت مع
براتشي! من المؤكد أن الفتيات بدورهن يفكرن بحياتهن وخيارتهن؛ لقد
أصبحنا مقربين منهن بشكل كبير وأحيانا عندما يسألك أحد ما سؤالا يجبرك
على إسقاطه على من تكون ولماذا أنت كذلك.
ما الذي يمثله لك هذا الفيلم؟ كونك ولدت في الهند ونشأت في
كندا، وقد عدت إلى الهند للعمل على هذا الفيلم
والتركيز على التحديات التي تواجهها النساء في المجتمع الهندي
المعاصر(الحالي).
لقد بدأ العمل على هذا الفيلم بكونه ينظر في حالة دولة في طور
التحول؛ لم يكن من المفترض أن يكون بالضرورة حول النساء
أو القضايا التي يواجهنها. لكنه تحول إلى ذلك كون معظم الفتيات
المشاركات في مسابقة الجمال كن يشعرن بأن فوزهن بلقب ملكة جمال الهند
سيشكل لهن دفعا وسيوفر لهن الفرصة والحرية اللتي تخولهن للعيش بشروط
لا توفرها الحياة في الهند لهن بمجرد أنهن نساء عاديات.
في اللحظة التي بدأت بتناول الفيلم من ذلك المنظور بدأ يصبح
شخصيا للغاية. مثل الكثيرات من النساء في الفيلم أتفهم الآن القضايا
التي يكافحن ضدها بمن فيهم أمي التي لا تزال تكافح معهم. كان من الصعب
إنجازه لكنه حررني بقدر كبير بطريقة جعلتني مجبرة على رؤية
الأشخاص بطريقة مختلفة عن الماضي. أدركت بمرحلة معينة بأن القضية لا
تتعلق بجنس الشخص، بل تتعلق بثقافة المجتمع، وبالزمن والتطور والصبر.
كل شيء يتغير؛ لكنه يتطلب فقط الإرادة والعزم والوقت لإحداث ذلك
التغيير. ولا يمكن إنجاز ذلك ما لم يشتمل على الرجال أثناء عملية
التغيير - لكن من دون غضب، ومع الكثير من التعاطف والدعم.
أين تصنفين نفسك كمخرجة أفلام وثائقية كندية من أصول هندية
بما يخص انتقاءك لمواضيع بحثك والقضايا التي تريدين التركيز
عليها؟
خلال السنوات القليلة الماضية توقفت عن اعتبار نفسي مخرجة وثائقية
كندية من أصول هندية. أعتبر نفسي مخرجة أفلام وثائقية فقط لا غير.
شيئا فشيئا أصبح عرقي وجنسي لا علاقة لهما بالموضوع. ماله علاقة
هو القصص والأماكن التي تجذبني والتي تكون في تقلب وتصارع دائمين. حيث
تكون المعارك ضخمة ومحتدمة، بشكل أو بآخر، تفصيل تلك المعارك
وتعريفها. جميعنا مكونين من عناصر كثيرة، لكني أجد نفسي أكثر فأكثر
مجبرة على مشاركة قصص من تكون بلادهم تمر بظرف تاريخي هام.
هل هناك أي لحظة لا تنسى أثناء التصوير تودين مشاركتنا
بها؟
اللحظة الرائعة بكل المقاييس كانت تلك التي لم يتسنى لي ولمحرر
الفيلم دايفيد التقاطها. سألت براتشي بينما كانت تحضر نفسها للتصوير
أمام المرآة في الصباح إن كانت تعتقد بأنها جميلة. ضحكت بصوت عالي، ثم
صمتت تدريجيا ثم أجابت بخجل شديد بعد أن نظرت لوجهها في المرآة " أنا
حلوة، أعتقد بأني حلوة". كان تصريحا جميلا قيل بمصداقية عالية.
هل شاهدت الفتيات وعائلاتهن الفيلم؟ كيف كانت ردة فعلهم
تجاهه؟ هل تحدثت إليهن مؤخرا؟
لقد شاهدت براتشي وعائلتها الفيلم وكذلك الأمر بالنسبة لروهي. ردة
فعلهم كانت عظيمة مما شكل ارتياحا كبيرا لي! وجدت روهي في براتشي شخصة
آسرةي. مع أن مشاهدة الفيلم كانت صعبة عليها لأسباب عديدة.
براتشي وعائلتها أحبو الفيلم أيضا. وجدوه متزنا ومنصفا. لقد كانو
خائفين جدا من أن يكون فيلما ترويجيا عن الحركة، فكانت مفاجأتهم سارة
أنه لم يكن كذلك وأنه لم يساء لهم!
أصبح والد براتشي عاطفياً للغاية في لحظات عدة، مما فاجاني بالطبع.
الجزء الأفضل كان أنهم جميعاً أرادوا لروهي أن تفوز! مما أعطاني أملا
بإيجاد جسور وصل بين الأضداد.
أوزغي كلافاتو
أوقات عروض فيلم "العالم أمامها" في مهرجان أبو ظبي السينمائي:
9:00 مساء، فوكس صالة 4 14\10\2012
4:30 ظهرا، فوكس صالة 4 (للنساء فقط) 15\10\2012
2:00 ظهرا، فوكس صالة6 16\10\2012