تحليل: "إنقاذ الوجه"
الشرف الممسوخ
2012.10.10 - باكستان: كطريقة لإلحاق الخزي
بالضحايا من النساء، يقوم بعض المتشددين بإلقاء الأسيد الحارق على
وجوههن. ومن هنا جاء هذا البرنامج الشامل الذي يحاول زيادة الوعي
بانتشار هذه الممارسة حول العالم. أوزجة كلافاتو في حوار مع صناع فيلم
"إنقاذ الوجه" الذي سيعرض ضمن المهرجان هذا العام، والذي سيكون
حاضراً فيه الطبيب محمد جواد.

ابتداء من رحلة طبيب الجراحة التجميلية المشهور، والمقيم في
بريطانيا الدكتور محمد جواد، إلى باكستان لإجراء عمليات على النسوة
اللواتي تشوهن بفعل إلقاء الأسيد الحارق على وجوههن، ووصولاً إلى
حصوله على جائزة الأوسكار، خاض "إنقاذ الوجه" رحلة عاطفية كبيرة، صور
خلالها ضحايا هذا النوع من الاعتداءات ورحلة الطبيب لتقديم فرصة جديدة
في الحياة لأولئك الضحايا، وفي الأثناء لا تخلو رحلة الطبيب من بعض
الشفاء الذاتي بالنسبة إلى الطبيب جواد.
لا ريب في أن "إنقاذ الوجه" كان بداية شيء أكبر: بالشراكة مع
العديد من المنظمات الدوليةالغير حكومية ، يعمل صناع الفيلم حالياً
على وضع برنامج مكثف لزيادة الوعي بانتشار هذه الممارسة حول
العالم.
"لدينا فرصة حقيقية للتخلص من هذه المشكلة"، يقول دانييل جونغ.
وفي واقع الأمر لا تنحصر المشكلة في آسيا الجنوبية فحسب وإن حصرها
بعضهم بهذه المنطقة. فمن كولومبيا إلى أوغندا، ومن إيران إلى كمبوديا،
تعدّ هذه الممارسة شائعة. وأغلب ضحاياها هم من النسوة والأطفال،
وكثيراً ما يؤدي إلقاء الأسيد المكثف على وجوه الضحايا إلى ترك آثار
تشويه دائمة، كما تتسبب أحياناً بالعمى وبتشوه العظام.
نحو 70 بالمائة من ضحايا هذه الهجمات لا يتجاوزون الثمانية عشر
عاماً. وفي باكستان تعدّ هذه الممارسة مبررة كوسيلة عقابية يمارسها
الأزواج الذين يبتغون "حفظ شرفهم"، وذلك من خلال تشويه زوجاتهن
اللواتي يتهمونهن بإلحاق "العار" بالعائلة. وكثيراً ما تقع هذه
الحوادث في المناطق التي تعد فيها النسوة عاجزات ويتوافر فيها الأسيد،
وتعاني من محدودية الدخل وقلة التعليم والتي لا يرجع الناس فيها لحل
قضاياهم إلى المحاكم.
يرصد "إنقاذ الوجه" العديد من القصص، بداية من عودة د. جواد إلى
باكستان، حيث ولد ودرس الطب، وذلك لكي يقوم بعمليات جراحية ترميمية
لضحايا الأسيد. وفي صلب الفيلم قصص اثنتين من مرضى د. جواد: زكية
البالغة من العمر 39 عاماً، وروكشانا البالغة 23 عاماً، وكلتاهما كان
ضحية اعتداء وحشي بالأسيد. وقد تعرضت زكية للهجوم بعد أن تقدمت بطلب
الطلاق، والتي كانت تكافح للحصول على العدالة بمساعدة بطولية من
محاميها سركار عباس، والتي اضطرت في الأثناء للتصالح مع زوجها وعائلته
بعد اعتدائهم عليها. وهي حالياً حامل بطفل من اعتدى عليها.
يفتح الفيلم نافذة حميمة على حيوات هذه الشخصيات التي تقدمت
جميعاً لتروي قصصها بعزم وجسارة، بأمل أن تزيد من الوعي العام الذي قد
يساعد على منع مصير مشابه لنسوة أخريات.
أوزغي كلافاتو في حوار هنا مع دانييل جونغ وشارمن عبيد شينوي، بعد
فوز فيلمهما بجائزة الأوسكار.
فلنبدأ من بداية القصة؟
دانييل: كنت أستمع إلى قصة عارضة الأزياء
البريطانية كاتي بايبر التي تعرضت لاعتداء بالأسيد، وحين سمعتها توجه
الشكر للجراح محمد جواد فكرت: "هذا ليس اسماً بريطانياً"، فخابرته
وسألته ما إذا كان على اطلاع على ظاهرة الاعتداء بالأسيد في آسيا
الجنوبية وبقية العالم. وما إن بدأت بالتصوير معه حتى غدا جلياً أنني
لن أتمكن من الاستمرار دون شريك على الأرض. ولهذا اتجهت إلى من
اعتبرها أفضل مخرجة أفلام وثائقية في البلاد وهي وشارمن عبيد
شينوي.
شارمن : حين طلب مني دانييل مشاركته في إخراج
"إنقاذ الوجه" أدركت على الفور رغبتي في المشاركة. فالعنف الناتج عن
استعمال الأسيد يؤثر على حيوات آلاف النسوة في الريف الباكستاني
سنوياً، لكن هذه الاعتداءات لا تصل إلى علم الشرطة أو وسائل الإعلام.
والكثير من الضحايا لا يحصلن على العلاج المناسب. فشعرت أنه من واجبي
كامرأة باكستانية وكصحافية أن ألقي الضوء على هذه القضية.
كيف اخترتما وأقنعتما السيدتين المشاركتين في الفيلم
بمشاطرة الآخرين قصصهما؟
شارمن : قامت مؤسسة "الناجيات من اعتداءات الأسيد
- باكستان" بتأسيس مكتب رسمي لها في المنطقة التي صورنا فيها الفيلم.
كما أن الدكتور جواد يعمل مع هذه المؤسسة، وقد أمضينا وقتاً طويلاً مع
الناجيات خلال الإعداد لإنتاج الفيلم، وتعرفنا عن كثب على حيواتهن
ونشأت معرفة شخصية بهن، حتى حصلنا على ثقتهن بنا.
دانييل: يقابل د. جواد ما بين 12 و20 امرأة
يومية. وكان هناك امرأة، زكية، التي لم يكن لديها موعد، إلا أنها دخلت
إلى العيادة وكانت مصرة على مقابلة الطبيب: تبين لنا أن زكية لن تقبل
بما هو أقل من العدالة، وهذا ما جعل منها شخصية محورية في الفيلم.
وكان من المهم وجود روكشانا في الفيلم لأنها تمثل أكثر "الضحية"
كغالبية الناجيات من هذه الاعتداءات. وهي شديدة العجز إلى درجة أنها
لا تعرف من أين تبدأ.
الاعتداءات بالأسيد شائعة في تلك المنطقة، هل من أسباب
ثقافية أو اجتماعية بعينها تقف وراء ذلك؟
شارمن : الاعتداء بالأسيد أكثر شيوعاً في حزام
"سيرايكي" في باكستان، حيث تم تصوير الفيلم. وهذه المنطقة تتسم
بانخفاض مستوى التعليم وارتفاع مستويات البطالة. وهذه الظروف تسهم في
تخلف أهل المنطقة ممن يعتبرون النسوة تاريخياً خاضعة للرجل. ولكون
الأسيد يشوه الضحية ويشكل طريقة لوصمها، فحين تصدّ النسوة الرجال أو
يتصرفن بطريقة تبدو خارجة على المألوف يعاقبن بوحشية بهذه
الطريقة.
كما أن هناك حالات يقوم فيها أفراد عائلة الرجل بمساعدته على
الاعتداء على زوجته. كما يساهم ضعف القانون بالطبع في ذلك حيث تقوم
العائلات بنبذ بناتهن أو سجنهن، لإخفاء عواقب الاعتداء عليهن. ومن
الناحية الثقافية فالنسوة يعتمدن على الرجال لإعالتهن، وبالتالي حتى
لو تعرضت امرأة لاعتداء زوجها عليها تضطر إلى التصالح معه والبقاء في
بيته. وحتى لو تجاوزت عائلتها الخزي ورغبت في إعالتها ففي أغلب
الأحيان لا يمكنها تحمل هذا العبء الإضافي.
هل شعرتما أنكما تعرضان زكية وروكشانا للخطر في بعض
الأحيان من خلال بوحهن بقصصهن؟
شارمن : هناك عملية متكاملة كان على فريق الإنتاج
الخوض في غمارها قبل تصوير الفيلم وخلاله وبعده، وهي عملية تضع سلامة
الشهود على رأس أولوياتها.
دانييل: في حقيقة الأمر، كان هذا التحدي الأكبر
الذي نواجهه فيما يخص عرض الفيلم في باكستان. وسوف نعرضه فقط حين نضمن
سلامة السيدتين.
ما أخبار زكية وروكشانا الآن؟ كيف تغيرت نظرتهما إلى
الأمور بعد تصوير الفيلم؟
شارمن : اللحظة التي أثارت عواطفي شخصياً أكثر من
سواها كانت حين قررت روكشانا أن تسمي ولدها الذي سيولد قريباً باسم د.
جواد، لا باسم والدها الذي كان المعتدي عليها أيضاً. لقد انتقلت الآن
من منزل والدها، ومنظمة "الناجيات من اعتداءات الأسيد - باكستان" تبحث
لها عن منزل آمن حالياً. أما زكية فتحاول إعادة بناء حياتها وقد تم
ترميم وجهها الآن. وهي مستقرة مع ابنها وابنتها وتبحث عن وظيفة.
بعد الشهرة التي تأتت للفيلم إثر فوزه بالأوسكار، كيف
ستواصلان معركتكما ضدّ الاعتداءات بالأسيد؟
شارمن : خلال الأشهر القليلة التالية سوف يكون
"إنقاذ الوجه" في طليعة حملة التوعية الوطنية ضدّ هذه الاعتداءات،
وسوف يعرض في الجامعات والمدارس والأماكن العامة. وفي الوقت الحالي
فإن ثمة شراكة بيننا وبين منظمة "الناجيات من اعتداءات الأسيد -
باكستان" و"الصندوق الدولي الإسلامي لمساعدة الناجيات من هجمات
الأسيد". ومنذ الآن لدينا عروض مبرمجة للفيلم في أمريكا وبريطانيا،
كما لدينا عروض في باكستان في قاعات عرض خاصة.
دانييل: قامت شارمن حتى الآن بجولتين في باكستان
بهدف زيادة الوعي. ونحن نقوم بجمع المواد من خلال الفيلم لمشاركتها مع
الضحايا، لنريهن الموارد المتاحة وماذا يمكنهن أن يفعلن. ويتضمن
تركيزنا على الناجيات جمع التبرعات من أجل الرسوم القضائية، وإسكانهن
وإعالتهن وتدريبهن على مهن يعتشن منها. ما نعمل عليه هو وضع خريطة
بالاعتداءات لكي نفهم بالضبط ماذا يجري، وذلك لكي نقدم هذه الخريطة
للأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية الكبرى.
وقد تم تشريع قانون أكثر شمولية في بنغلادش إضافة إلى حملة توعية
أكثر كثافة، وانخفاض معدل هذه الاعتداءات يعدّ مذهلاً، فهو يصل إلى
أربعة آلاف بالمائة. وفي الحد الأدنى سمعت أن المعدل ينخفض 20 بالمائة
سنوياً، وقد تحقق ذلك من دون فيلم حائز على الأوسكار.
هذا ويؤكد دانييل وشارمن على أنه ليس في المجتمع الباكستاني من
يتغاضى عن الاعتداءات بالأسيد، ومشاهدة هذا الواقع على الشاشة كان
صادماً للباكستانيين كما لسواهم. والخبر الجيد هو أن "إنقاذ الوجه" قد
تبناه صناع السياسة في باكستان ممن منحوا شارمن أرفع الجوائز المدنية
في البلاد، وثمة مشاريع لسن قوانين يتم حالياً العملعليها.
أوزغي كلافاتو
هذه ترجمة لمقالة تمّ نشرها في العدد 94 من مجلة "دوكس".
الرجاء زيارة هذا الموقع الإلكتروني لتنزيل النسخة الأصلية dox.mono.net