البدايات: تجارب صناع السينما العربية
2012.10.16 - من القاهرة إلى بغداد وبيروت وصنعاء
إلى أبو ظبي، خمسة سينمائيين عرب معروفين ومشاد بهم عرضوا بحضور جمهور
كبير خلال تجاربهم حول بداياتهم في صنع الأفلام في المنطقة خلال حفل
خاص استضافه مهرجان أبوظبي السينمائي في فندق قصر الإمارات يوم
الثلاثاء. وضمت هذه المجموعة المخرج المصري يسري نصر الله، المخرج
العراقي محمد الدراجي، والمنتج والكاتب المصري محمد حفظي، والمخرج
البريطاني اليمني الأصل بدر بن حرسي والمخرج الإماراتي الذي ولد
وترعرع في أبوظبي، وأخيراً الكاتب والمخرج نواف الجناحي. وقد أدار هذا
الحديث انتشال التميمي، مدير البرامج العربية في مهرجان أبو ظبي
السينمائي.

هذا الأسبوع، سُمّي المخرج نصر الله مخرج الشرق الأوسط لهذا العام
من قبل مجلة (فارايتي). قدم المخرج المصري الشهير مساهمات كبيرة في
تشكيل السينما العربية المعاصرة بأفلام مثل "المدينة المنورة" (1999)،
"بوابة الشمس" (2004)، "جنينة الأسماك" (2008) و"احكي يا شهرزاد"
(مهرجان أبوظبي السينمائي 2009). عمله الأخير "بعد الموقعة" عُرض لأول
مرة في مسابقة مهرجان كان السينمائي، كما عُرض في مهرجان أبوظبي
السينمائي لهذا العام.
خلال ذلك الوقت "كنا ننتمي إلى جيل التحدي فما يخص السينما
والأفلام، لم نتمكن من وضع أيدينا على كاميرا في ذلك الوقت". درس في
المعهد العالي للسينما في القاهرة عام 1973، ويتذكر قصة قديمة ويقول
"ذهب مجموعة منا إلى مكتب العميد وطلبوا استخدام كاميرا عيار 16 مم أو
حتى كاميرا 8 مم لمشروع، رد العميد ساخراً: إنكم لن تضعوا عيونكم على
عدسة الكاميرا حتى تصلوا إلى السنة الرابعة، عند ذلك قررت الهرب،
فتوجهت إلى بيروت".
يقول يسري إنه كان يائساً كونه جزءاً من عالم السينما، حيث يمكنه
التواصل مع أشخاص آخرين في هذا المجال "على الرغم من أني ترعرعت ضمن
دائرة صغيرة محمية، وذهبت إلى مدرسة خاصة صغيرة ألمانية، وكانت عائلتي
معروفة في جميع أنحاء القاهرة، لذا كان من السهل بالنسبة لي - عندما
قررت أن أترك هذا الرخاء، جاء كله بشكل مفاجئ، كنت ببساطة يوسف طالب
الاقتصاد في بيروت عام 1982؛ كانت المدينة ساحة حرب، ولا أحد يعرفني،
عشت دون أي حماية على الإطلاق "الأولوية خلال تلك الفترة هي أن تبقى
على قيد الحياة"؛ أعطى هذا نصر الله الدافع لصنع الأفلام "كانت
الصحيفة كالحانوتي يتحدث فقط عن ضحايا الحرب والأموات، بينما كانت
السينما تتحدث عن الأحياء فقط".
الدراجي، مخرج بغدادي حائز على جائزة عن فيلم "ابن بابل" خلال
مهرجان أبو ظبي السينمائي عام 2009 ، ليس غريباً عليه صنع أفلام في
ظروف صعبة، حيث صور فيلمين في العراق بعد الغزو الأمريكي. "صناعة فيلم
في خضم حرب أمر صعب للغاية، ليس فقط بسبب نقص الموارد، حيث حرية
التحرك والوصول مقيدة بشكل رهيب. العراق ليس لديه البنية التحتية
للعيش، فما بالك بتصوير فيلم"، وأكّد على أنه اعتاد على انتقاد الناس
له دوماً لماذا يضع نفسه في مثل هذه الأوضاع الخطيرة.
كان حب الدراجي لصناعة الأفلام ملموساً خلال العرض "الفيلم مثل
امرأة جميلة؛ عشقي للأفلام مثل وقوع أحدهم في حب امرأة"، ورأى
أن صناعة الفيلم هو عملية اكتشاف للذات "عليك أن لا تتوقف، إذا تم
خطفك على أيدي الجنود أو سجنت، لا يمكن أن تكون محبطاً"، وأشار إلى أن
الإنتاج كان معقداً خلال فترة حظر التجول المحلية "كيف لك أن تُقنع
ممثلة أنثى على الموافقة على التصوير بعد 12 ليلاً وربما طوال الليل؟
التصوير في العراق كان ضرباً من المستحيل تقريباً؛ كان علينا أن نأخذ
الفيلم إلى سورية أو الأردن".
أما حفظي فقد أدار "عيادة الأفلام"، وهي واحدة من شركات الإنتاج
الرائدة في المنطقة، وأنتج العديد من الأفلام المصرية الهامة بما فيها
فيلم أحمد عبد الله "هليوبوليس" الذي عُرض في مهرجان أبوظبي السينمائي
عام 2009، وفيلم "ميكروفون" (2010)، وكان منتجاً مساعداً للمخرجة
البريطانية سالي الحسيني الحائزة على جائزة عن فيلمها "أخي الشيطان"،
كما حازت أفلام حفظي "التحرير" (2011)، وفيلم "الطيب والشرس والسياسي"
على العديد من الجوائز في مهرجانات العام الماضي.
درس حفظي في الجامعة الأمريكية في القاهرة ودرس الهندسة المعمارية
في لندن، وقال إنه كان يحب كلاً من السينما والمسرح منذ أن كان في سن
المراهقة، ووجوده في لندن أثار شغفه "كان مسرح لندن مثل ملعب بالنسبة
لي".
تضمنت أفلام بن حرسي الفيلم الوثائقي "الشيخ الإنجليزي والشاب
اليمني" (2000)، "يوم جديد في صنعاء القديمة" (2006) والذي كان أول
فيلم روائي طويل يصور في اليمن. أنتج السلسلة التلفزيونية "شاعر
المليون" هنا في أبوظبي، وأصبح العرض الأشهر والأكثر نجاحاً في تاريخ
التلفزيونات العربية، كما شارك في إنتاج فيلم الدراجي "ابن بابل"
(الذي شارك مهرجان أبوظبي السينمائي في تمويله عبر صندوق سند).
يختلف بن حرسي مع الآخرين من خلال الاعتراف صراحة بالتجارب
المختلفة التي قدمها وتعلم بها فن السينما "لقد ولدت في لندن، قضيت
حياتي كلها مقيماً هناك، وعندما ذهبت إلى اليمن، مسقط رأسي، شعرت أنه
من واجبي خلق شيء يُحدث تغيراً إيجابياً حول صورة اليمن. بكل الأحوال
كنت أعرف أنه من أجل تقديم فيلم عن صنعاء، كان لابد من أن أحصل على
تمويل من هناك، ومع ذلك كنت على يقين بأن هذه ستكون مهمة صعبة، حيث
اليمن ليس دولة غنية اقتصادياً"، وقال إن مجموعته الأولى قد هوجمت عدة
مرات، كانت العملية كفاح لأنه استغرق وقتاً طويلاً لتدريب الممثلين،
كما لم يكن هناك أساساً أي صناعة سينمائية، وكان المطلوب أكثر شيء هو
الحساسية الثقافية "كانت صعبة، كان يتم اتهام الناس بأنهم يصنعون
أفلام للبالغين، واتُهمت بتصوير أفلام خلال فترة الصلاة، وكلها كانت
اتهامات باطلة"، وأشار إلى أن أحد أهم أهدافه الرئيسية هي تمهيد
الطريق لصانعي الأفلام الطموحين الآخرين.
بدأ الجناحي كلامه قائلاً "أنا مرتبط أكثر مع بدر بن حرسي
بالمقارنة مع بقية الفريق". ولد في أبوظبي، وكان عضواً أساسياً من
الحركة الوليدة لصنّاع السينما في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما
كانت أفلامه "الدائرة" (2009) و"ظل البحر" (2011) من بين الأفلام
الإماراتية الأبرز على المسرح العالمي "عندما كنت في سن الحادية عشرة،
أحببت الأفلام والتمثيل، وكان والدي منغمساً في أعمال تلفزيونية ويعمل
بوسائل إعلامية، كنت أحب أن أشاهد خاصة ما وراء الكواليس، وأوضح أنه
وصل إلى وقت كان يشاهد فيه ثمانية أفلام في اليوم الواحد "عندما كان
عمري ستة عشر سنة كنت على يقين بأن السينما هي شغفي، وأن صناعة
الأفلام بالضبط هي ما أريد أن أفعله في حياتي".
شعر بالإحباط ممن حوله، وحاولوا النيل من عزيمته، ولم يؤمنوا بأنه
يمكن أن يقوم بذلك وخاصة في الإمارات في ذلك الوقت، ولم يكن والده
يريد له أن يتورط بأشياء ليس لها استدامة مالية "أردت دراسة السينما
في القاهرة، ولكن والدي لم يكن ليدعمني حينها، لذلك بقيت في المنزل،
لأنه لم يكن هناك أي شيء آخر أرغب بالعمل به سوى السينما"، عند نقطة
ما انتهى به المطاف في القاهرة، ودرس فن الضيافة، ليتمكن من الوصول
إلى صناعة السينما الضخمة هناك، بعد أربعة أشهر قال لوالده إنه في
الواقع يدرس السينما، والشيء التالي الذي عرفه هو أن والده قد أخبره
بأنه حصل على منحة نواف لدراسة السينما في الولايات المتحدة.
عاد الجناحي إلى الإمارات العربية المتحدة عام 1999 وكان لا يزال
غير متحمس لصناعة الأفلام، ولم يكن معروفاً على نطاق واسع كما هو عليه
الآن، ثم بدأ تدريجياً بلقاء شخصيات مختلفة من المشهد السينمائي مثل
علي الجابري (مدير مهرجان أبوظبي السينمائي في الوقت الراهن)، وقال
"لقد شجعني، وفي عام 2001 جمعنا 58 فيلماً إماراتياً؛ وعندها أدركنا
جميعاً أن ثقافة صناعة الأفلام موجودة بالواقع في الإمارات"، لقد تغير
الزمن منذ ذلك الحين، وتوسعت صناعة السينما بشكل كبير في دولة
الإمارات، وقد اجتمع صناع السينما الأربعة هؤلاء ليشهدوا أن الإنجاز
والنجاح يعني الكثير عندما تكون البداية بالأساس تحدياً.
تمارا ملحس