سؤال وجواب: "ما نموتش"
2012.10,18 - يروي "
ما نموتش" أحدث أفلام المخرج التونسي نوري بوزيد، والمعروض هذا
العام ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان أبوظبي
السينمائي، قصة فتاتين تقفان دفاعاً عن بعضهما وعن قناعاتهما في خضم
الفوضى التي أعقبت الثورة الأخيرة في البلاد. ولطالما كان الاضطراب
السياسي والاجتماعي في بلده من المواضيع الوثيقة الصلة في أفلام نوري
بوزيد الذي خاض تجربة الاعتقال لخمس سنوات خلال نظام بن علي السابق.
بوزيد الذي حلّ ضيفاً على المهرجان يحدثنا هنا عن جديده السينمائي
هذا.

ما الذي ألهمك لصنع هذا الفيلم؟ كيف تطورت فكرته وتمّ بناء
شخصياته؟
لقد قمت بأبحاث موسّعة ومعمّقة حول هذا الموضوع وأجريت
حوارات مع العديد من النسوة حوله. وقد كنت ضمن لجنة التحكيم في مهرجان
القاهرة السينمائي وتعرضت إحدى صديقاتي (وهي غير محجّبة) للمضايقة في
الشارع من قبل بعض الرجال، الذين تعاملوا معها وكأنها ملكية خاصة لهم
ويحقّ لهم التحكم بجسدها. وقد أثارت هذه الحادثة حنقي للغاية وألهمتني
لكي تكون قصة الفيلم، وحين تحدّثت مع تلك الصديقة عن القصة أبدت حماسة
شديدة تجاهها، إلا أن المنتجين المصريين رفضوا فكرة الفيلم إذ
اعتبروها مثيرة للجدال أكثر مما ينبغي ورأوا أنه ضدّ المعتقدات
الإسلامية تصوير فيلم من هذا القبيل هناك، فقمت بنقل أحداث القصة إلى
تونس.
وكان يفترض أن يحمل الفيلم الاسم الفرنسي ميل فيي وهو اسم الحلوى
التي تصنعها الفتاتان في الفيلم، إلا أنه ما إن انطلقت الثورة في تونس
حتى قرّرت إضافة بعد سياسي له، وهذا أنقذ الفيلم حقاً. فالثورة أمدّت
الفيلم بالحياة ونقلته قدماً حيث أصبح موضوعه هو القضية الأكثر رواجاً
في المجتمع، فكان عليّ أن أغيّر في بنية الشخصيات بحيث تصبح عالقة في
النزاع القائم، وهو ما استدعى في المقابل تبديل عنوان الفيلم.
هلا أخبرتنا بعض التفاصيل عن دور لاعب الأكورديون الضرير
الذي أدّيته شخصياً، إلام أردت أن ترمز من خلاله ولماذا اخترت أن
تؤديه بنفسك؟
عشية الثورة في تونس تعرضت للضرب وتلقيت تهديدات بالقتل كما أنشد بعض
المغنين أغنيات ضدي بصفتي "عدواً للإسلام". لكنني لست كذلك، ولا مشكلة
لديّ مع الإسلام، ولكنْ لديّ مشكلة بالفعل مع أولئك الذين يسيئون
استغلاله. لذا أضفت دور عازف الأكورديون لأنني أردت إضافة عنصر غنائي
يمثل الثورة. وفي الفيلم نرى عازف الأكورديون يتعرض للاعتداء بسبب
الأغنيات التي يغنيها.
أما لماذا قررت أن ألعب الدور بنفسي فلأنني أردت أن أغيظ جميع
أولئك الذين أرسلوا إليّ التهديدات بالقتل والذين أنشدوا الأغنيات ضدي
ونعتوني بعدو الإسلام. كان هذا نوعاً من الردّ على من وقفوا ضدي
وأثاروا جلبة لاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي.حين حاولت مقاضاة
أولئك الأشخاص قيل لي إن الفايسبوك ليس دليلاً حسياً يمكن استعماله في
المحكمة.
أما بالنسبة إلى جعل العازف ضريراً، فبكلّ صدق لا أعرف السبب. لم
أقصد من ذلك الترميز إلى شيء بعينه، لكنني أحببت فكرة وجود عازف ضرير
في شوارع تونس. في حقيقة الأمر أحد المشاهد الكثيرة التي تخليتها هو
المشهد الذي يقول فيه أحد العبارات المفضلة عندي: "ما أراه، لا أحد
سواي يقدرعلى رؤيته".
أيّ استقبال تتوقع أن يلقاه الفيلم؟ هل تقلقك فكرة أن يجد
فيه بعضهم تهجماً عليهم، ولاسيما الرجال؟
للصراحة، أعتبر أن الأفلام الدرامية والسينما عموماً، يجب أن تصنع
دون توقعات مسبقة. لا أعرف كيف سيتم تلقي الفيلم، وأفضّل ألا أفكر
بالأمر. لو شغلت نفسي بالطريقة التي سيرد بها الناس أو يتفاعلون، لما
استطعت أن أنجز شيئاً. طريقتي في التعبير هي أن أقول كلّ ما أريد
قوله، وأن أفعل كل ما أريد فعله، ولكن بحصافة. فأحاول إيصال رسالتي
دون خرق أيّ قاعدة أو قانون، بحيث لا يكون لأحد أيّ مستمسك عليّ. هذا
هو أسلوبي، وأعرف أنه يزعج بعض الناس، أو على الأقلّ يؤدي إلى استثارة
ردود فعل قوية لديهم.
هدفي من الفيلم هو أن أبيّن أن ارتداء الحجاب وممارسة الشعائر
الإسلامية وكلّ خيار آخر هو خيار فردي. وأن علينا أن نحترم الخيارات
الفردية والثقافات الأخرى والناس. الاحترام هو المفتاح.
كيف غيّرتك الثورة التونسية، وما أثرها على نظرتك للأمور
ولاسيما للسينما؟
لا أخرج فيلماً لا يتضمن وضع العالم الراهن. وهذا الفيلم،
في الأصل، لم تكن له صلة بالثورة، ولكنْ ما إن وقعت الثورة حتى بدّلت
السيناريو، لأنني أدركت مدى أهميتها. لقد كانت لحظة تاريخية بحق.
آمل أن أقول ذلك بطريقة يفهمها الآخرون، فأنا شخصياً ثائر منذ
ثلاثة عقود وقد سجنت خمس سنوات بسبب نشاطي السياسي، لذا فالثورة لم
تغير شيئاً في داخلي. الشيء الوحيد الذي تغير هو أن الناس باتوا في
هذا الموضع، ولاسيما الشباب، حيث بدأ الناس في تونس يتكلمون للمرة
الأولى دون خوف. ما عادوا يخشون أحداً، لكن هذا لا يعني أنه ليس ثمة
من خطر من بعض الأحزاب السياسية التي تحاول خنق الناس.
على أية حال، فالشعب التونسي يعيش الآن "جرعة زائدة" من الحرية،
وهذا أمر طبيعي بالكامل في أوضاع كهذه. لقد أصبح هناك فائض من الحرية
إلى درجة ما عاد الخط الفاصل واضحاً بين احترام الآخر وخلق الحدود
معه. وهذا يطاول حتى أموراً من قبيل احترام قوانين السير! إلا أنها
مجرد مرحلة وأنا واثق من أنها ستمرّ.
كيف تختار موضوعات أفلامك، ولماذا تميل هذه الأفلام دوماً
إلى أن تكون مثيرة للجدل؟
حين يصل المرء إلى عمر معين ويمرّ بالكثير من التجارب، تغدو هذه
الأمور طبيعية بالنسبة إليه. فأنا لا أفكر بالأفلام التي أنجزها. ما
أريده هو تحقيق الاستقلالية، ليس السياسية فحسب، بل الفكرية والدينية
والثقافية. وفي اختياري لقضايا أفلامي أبحث دوماً عن الموضوعات الهامة
التي يخشى الناس التطرق إليها. أمور لا يشغل المرء بها عادة في حياته
اليومية إلا أنها أساسية في المجتمع، مثل الدعارة وعمل صغيرات السن في
الخدمة المنزلية، والإرهاب والتعذيب والظلم والإساءة والسجن والدين
وما إلى ذلك.
أريد أن أفتح الباب وأخرج هذه القضايا إلى العلن. أريد أن أبدأ هذه
الثورة، لا رغبة مني في الإساءة إلى أحد أو إغضاب أحد، بل لأنّ هذا هو
الحلّ الوحيد. لكي يتطور المجتمع يجب أن يحدث ذلك. وأنا من الأشخاص
الذين يناصرون المظلومين دوماً والمعذبين والمساء إليهم والمضطهدين.
وفي أفلامي أتخذ دوماً وجهة النظر هذه وأحرص على أن أوصل صوت هؤلاء
الناس.
هل تأمل بحدوث التغيير؟وكيف ستقوم بذلك؟
هذه مساهمة صغيرة جداً ضمن إطار أوسع بكثير. آمل بالتغيير
بكل تأكيد، لكن علينا ألا نلقي بالعبء على كاهل السينما أكثر مما
تستحق ولاسيما في العالم العربي.
ما نحاول القيام به بأفلامنا يقوم غيرنا بتدميره لأنهم يسمحون
للحكومات بفرض القيود السياسية والاجتماعية. ولو أردت أن أمجز فيلماً
يحدث تغييراً حقيقياً، فلن أتمكن من عرضه في أيّ بلد عربي.
إنني أسعى ولكن في نهاية المطاف ليس ثمة الكثير الذي يمكن إنجازه
بالأفلام فحسب. يسعنا المحاولة فحسب.
عرض "ما نموتش" في قصر الإمارات يوم الاثنين 15 أكتوبر عند التاسعة
والنصف مساء، ويعرض يوم الخميس 18 أكتوبر في صالة فوكس عند الساعة
الثانية بعد الظهر.
سعاد شما