تحليل: "جيبو والظل"
2012.10.18 - بما يشبه وصية سينمائية، يأتي هذا النص
المفاجيء من شيخ مخرجي أوروبا والعالم المعلّم البرتغالي مانويل دي
أولفييرا الذي يحتفل بميلاده الرابع بعد المائة (ولد العام 1908)،
ويعمل حاليا على أتمام فيلمه الجديد "كنيسة الشيطان"، ليحاكم النفس
الرخيصة التي تعمّ البشرية اليوم، ضمن صراعات يومية لقطف الثروات
وسرقتها بأي ثمن، وتنضح برياء الناس وتنابزهم على الفردية وأنانيتها.
يختار دي أولفييرا مفتتح القرن الماضي، ليعيد أصل الخلل الطبقي لمحيط
بطله الهرم غيبو الذي يمثل روحاً صافية تعيش مع مجموعة متكافلة قبل ان
تخترقها الدناءات.

أقتبس دي أولفييرا عمله عن النص المسرحي للكاتب راؤول برانداو
"الأحدب وظله"(1923) الذي يعتبرها صاحب "رحلة الى بداية العالم"(1997)
مرجعاً أساسيا لصموئيل بيكيت حين شرع في كتابة مسرحية "في أنتظار
غودو" الذائعة الصيت. وبدلاً عن البطل الغائب، يعمد المؤلف البرتغالي
الى تحويل عودة الأبن الضال جواو (ريكاردو يريبا) بعد ثمانية أعوام،
مؤشراً الى ان الذّمة الميتة لن تتوان عن تعميم وسخها الشخصي على
الجميع. أنه كائن طارىء لأخلاقي يسعى الى أمتحان قوته في أبتزاز
الأخرين، ولا فرق لديه سواء ان مد يده كي يتسول في الشوارع او أن يضع
أهتمام خسته على كيس نقود والده كي يسرقه.
ما الذي يجعل من فيلم دي أولفييرا حانقاً الى هذا القدر؟ الجواب:
القرابة السيئة الأصول التي تُبنى أساساتها على قاعدة عفنة وجاهلة
ومتنمرة. ان الأبن هو نتاج فقر مدقع ومحيط متهالك، يقترب بثبوتيته من
الموت، وهذا الأخير ما يشار اليه بذكاء في اللقطة الختامية حيث
"تتجمد" الصورة، لا ان يخبو ضياؤها كما تجري العادة. يمارس الثلاثي
العائلي غيبو (القدير مايكل لونزديل) وزوجته دوروتيا (الايطالية
كلاوديا كاردينالي) وزوجة الأبن الغائب صوفيا (أداء لافت من ليونور
سيلفيرا) حياتهم كقدر لا يتغير. يصر الأول على العمل رغم شيخوخته، فمن
دونه يسقط الجميع رهينة العوز والجوع، فيما تبقى الثانية محافظة على
مقامها كسيدة بيت عليها تأمين أكبر قدر من عزّة النفس التي تمتحن
الجارة كانديدا (القديرة جان مورو في ظهور قصير ونادر) قوة أصولها في
النفوس الهرمة. أما الثالثة، فهي نموذج الخنوع لظرف مفروض وغير منصف.
امرأة شابة تُرتهن الى أنتظار طويل وممل ومستنفذ للعمر والطاقة
والأمل. يقدم دي أولفييرا مشهدياته المتقنة الصنع، تصوير باهر من
السويسري ريناتو بيرتا الذي أنجز سابقاً عمل لوي مال "وداعا أيها
الأطفال"(1987)، بأمانة مسرحية مطلقة، تأخذ الكاميرا فيها وضعية عين
مشاهد صبور وحصيف، مركزة في المقام الأول على عذابات داخلية لأبطال
محصورين ضمن جدران ديكور متقشف، بارد المعالم (تصميم المميزة أيزابيل
غيرارد). أنهم بلا ذاكرة محسوبة، ومن دون دافع حقيقي للتغيير. ما يقع
في هذه الغرفة على مدى 95 دقيقة، لن يتحول، ولن يسعى الى الأنقلاب،
ولن يُرتهن الى الخارج.
على مشاهد "جيبو والظل" ان يبقى صبوراً
الى أقصى حد كي يتابع أنهيار القيم مع عودة الأبن، وأقدامه على سرقة
مدخرات والده الذي لن يتوانى في تبرير الفعل الساقط لنجله. فمهمته ان
يحافظ على شرف العائلة وقناعة الوالدة بأن لها أبناً نجيباً، فيما
يعرفنا الواقع على أبن هو كائن رخيص النفس، وضيع، وجبان. لا ريب، ان
دي أولفييرا بمزاوجته الفريدة الى عنصريّ العائلة الأوروبية وأقتصادها
المهدد، أنما يشير الى أن طبقيتها مرتهنة الى أنقلابات رأسمالية تنتظر
أزمات لن ترحم العباد وتجردهم من أنسانيتهم وأعتباراتهم الشخصية
ونظرتهم الى الحياة والأيمان. يبدو غيبو كأخر الحكماء الذين يجاهدون
من أجل أبقاء الكرامة حصينة في مقامها، والحب في جذوته، والعائلة في
وحدتها الأزلية. فالكائن الصافي مجبول على نصرّة الخطاة
والمارقين.
يعرض"جيبو والظل" في قصر الإمارات يوم الخميس، 18 أكتوبر الساعة
06:30 م؛ وفي ڨوكس سينما يوم السبت 20 أكتوبر الساعة 01:30 م
زياد الخزاعي