تحليل: "وقائع سنين الجمر" (1975)
رغبة في تطعيم ملخصات أفلام كاتالوج المهرجان بمساهمات متنوعة
لنقاد وباحثين ومبرمجين واصلت ادارة النشرتكليف مجموعة من المختصين في
المساهمة في الكتابة الى كاتلوج هذا العام وكان بينهم الناقد ابراهيم
العريس في كتابة خمس متابعات نقدية مختصرة، نشر ثلاث منها في
الكاتالوج ولأهميتها الخاصة نقوم باعادة نشر هذه
المقالة.
2012.11.11 - بفضل فوزه الكبير بالسعفة الذهبية
في مهرجان «كان» عام 1975، دخل فيلم "
وقائع سنين الجمر" حلقة كلاسيكيات السينما العالمية، ليعتبر
واحداً من الأفلام التاريخية الأضخم التي حققت خارج هوليوود . ولعل
اهم ما يمكن ذكره في هذا السياق أن«وقائع سنين الجمر» اعتبر، من خلال
عرضه وفوزه في «كان» نوعا من «الثأر»للثقافة الجزائرية من البلد الذي
كان مستعمرا للجزائر: فرنسا. ومع هذا لم يفت البعض ان يهاجم الفيلم
باعتباره «ممالئا لفرنسا»، وأن يقول ان هذه الممالأة كانت سبب فوزه.
وكانت حجة هذا البعض ان الفيلم، فيما يتحدث عن مسار الثورة الجزائرية،
توقف طويلا عند التناقضات في صفوف الجزائريين انفسهم!
اما بالنسبة الى الفيلم
فإن رؤيته لا يفوتها ان تستند الى مرجعيات تاريخية، ما يفسر تصنيف
الفيلم في عناوين يظهر كل واحد منها على الشاشة تبعا لمجرى الأحداث
التاريخية: «سنوات الرماد»، «سنين العربة»، «سنين الجمر»، «سنين
الحملة»، «سنين النار»، «الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 1954»
و«الحادي عشر من تشرين الثاني "1954"وهكذا.
وواضح هنا ان التقسيم إنما يعكس تتابع الأحداث والحقب التاريخية
التي قادت الى الثورة الجزائرية..غير ان هذا كله لا يجب ان ينسينا ان
هذا الفيلم لم يكن «فيلم مضمون» ومجرد «طرح للأفكار الكبرى على مساحة
الشاشة» كما كانت افلام القضايا الكبرى. بل انه كان فيلماً جميلا
ايضاً، عابقا بلغة سينمائية متميزة، وبقدرة على جعل الكاميرا تتسلل
الى داخل الأحداث فتصور جمالها: جمال البيئة والجموع والملابس
والطبيعة، من دون اي تضخيم احتفالي.
والحقيقة ان هذه السمة اضفت على الفيلم طابعه الملحمي،
وجعلته قريب الشبه ببعض اجمل كلاسيكيات السينما، مع هذا لم تكن
تلك المرة الأولى التي يعطي فيها محمد الأخضر حامينا للجمال الشكلي
دورا أساسيا في فيلم ثوري، فهو كان حقق، منذ العام 1965- 1966 فيلم
«رياح الأوراس» الذي أطلق العنان للسينما الجزائرية ونجاحاتها. وكان
فيلما ثوريا نضاليا، لكنه حمل الكثير من الأبعاد الجمالية التي بدت
لاحقا وكأنها هي ما مهد للشكل المتميز الذي جاء عليه «وقائع سنين
الجمر».
إبراهيم العريس