تحليل: "لورانس العرب" (1962)
رغبة في تطعيم ملخصات أفلام كاتالوج المهرجان بمساهمات متنوعة
لنقاد وباحثين ومبرمجين واصلت ادارة النشرتكليف مجموعة من المختصين في
المساهمة في الكتابة الى كاتلوج هذا العام وكان بينهم الناقد ابراهيم
العريس في كتابة خمس متابعات نقدية مختصرة، نشر ثلاث منها في
الكاتالوج ولأهميتها الخاصة نقوم باعادة نشر هذه
المقالة.
2012.11.11 - كان المخرج الأنكليزي دافيد لين
المفاجأ الأول خلال شهر نيسان (ابريل) 1963، في هوليوود حين فاز فيلمه
"لورانس العرب" بالعديد من جوائز الأوسكار، ومن
بينها أوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل مخرج. فهو - لئن كان يتوقع
لفيلمه المأخوذ في تفاصيله من كتاب «أعمدة الحكمة السبعة» للورانس،
نجاحا جماهيرياً كبيراً - ما كان ليخطر في باله وصوله الى قمة النجاح
الفني ايضا، بخاصة وان فيلمه - على رغم كل شيء - انكليزي، وليس
أميركيا، وحتى اذا كان أصلا قد أضفى عليه خيرة الأبعاد الفنية، من
موسيقى موريس جار التي عزفتها فرقة لندن السيمفونية الشهيرة، الى
تمثيل بيتر اوتول (الرائع في دور لورانس)، وانطونيكوين وسير آليك
غينيس وجوزيه فيرير، ثم عمر الشريف (في دور الأمير علي).
مع هذا الفيلم قيل دائما
ان السينما أضفت على أسطورة «البطل» الانكليزي أبعادا جديدة، ونقلت
سيرته من حلقات المثقفين وهواة التاريخ، الى الساحة العامة. وكذلك كان
المهم ان ديفيد لين، وبفضل سيناريو كتبه روبرتبولت عرف كيف يحول أحداث
التاريخ الكبرى، على الشاشة العريضة، الى مجرد مؤثرات تخدم لرسم صورة
(بورتريه) لذلك الرجل الوحيد المستوحش القلق والفضولي الذي كانه
لورانس. اذ، طوال فترة عرض الفيلم كان يخالج المتفرج - وعلى الأقل عند
مشاهدته الفيلم للمرة الأولى، واذا لم يكن شديد الإلفة مع حكاية حياة
لورانس الاصلية ومع فصول كتابه - شعور بأنه هنا أمام رجل يحاول، عبر
الاحداث الكبرى، والمواقف الدرامية والخطيرة، استكشاف كوامن ذاته،
والابعاد العميقة لشخصيته، أكثر مما يحاول استكشاف العالم الذي يحيط
به.
مع الفيلم يبدو لنا لورانس وقد أشعل الثورة والحرب وشارك فيهما
معرضا نفسه للخطر فيكل لحظة، لمجرد ان يكتشف ذلك الكائن الغامض الذي
كان يحيره منذ صباه. ولئنكان هذا البعد يمر في «أعمدة الحكمة السبعة»
مرور الكرام بحيث بالكاد يمكن للقارئ ان يتوقف عنده طويلا، فإنه في
فيلم دافيد لين يبدو حاسما وأساسيا، بحيث يبدو الفيلم، في النهاية،
متأسسا من حول علاقة الدهشة وسوء التفاهمالتي تقوم بين «البطل» وذاته،
ومن ثم بين المتفرج والفيلم. ويقينا ان هذه العلاقة المزدوجة والتي
يحيل بعدها الاولى الى بعدها الثاني، وبالعكس، تكمن خلف النجاح الساحق
الذي حققه الفيلم.
إبراهيم العريس