ربيع عربي وحريات وعائلات
"فيّللا 69" لأيتن أمينلافتات الأفلام العربية في مهرجان أبوظبي السينمائي السابع
عن الربيع العربي وميادينه، وهموم مواطنه الساعي الى التغيير الأمثل. عن سجال الحريات والأمان الإجتماعي. حول العائلة وتحولاتها. بشأن خيارات الحب وعيشه المشترك. عن مواجهات القهر السياسي، ومخاوف المستقبل واستحقاقات تشظياته الجماعية. هذه بعض العناوين الدالة على هموم مخرجي الأفلام العربية المميزة التي أعلنت إدارة مهرجان أبوظبي السينمائي اليوم (الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2013)، مشاركتها في الأقسام الرئيسة لدورته السابعة. بدا جلياً أن هبّة إنتاجية عربية متأنية الإختيارات تتكرس في المنطقة، أغلب صانعيها شباب واعد، استفاد من مساهمات سخيّة من صناديق دعوم تعمل بجهد واضح لتأسيس صناعة قابلة للحياة والإستمرار، من رفع معدلات الإنتاج المحلي وتنظيم سوق العروض والشراكات العالمية والإستفادة من خبراتها، وصولاً الى المهرجانات الكبرى، قبل الصالات الشعبية في عواصم العالم للإحتفاء بسينمائيي المنطقة العربية ونظراتهم الى أحوالهم وتطلعاتهم.
خيارات مسابقة الأفلام الروائية
لعل أبلغ مثال على ذلك فيلم المخرج المصري أحمد عبد الله "فرش وغطا" الذي يتنافس ضمن "مسابقة الأفلام الروائية الطويلة"، حيث استقبل بمديح إعلامي معتبر في تورونتو، قبل ان ينظم الى المسابقة الرئيسية في مهرجان لندن السينمائي الذي ينطلق في التاسع من الشهر الجاري. صاحب "هليوبوليس"(2009) و"ميكروفون"(2010)، يرصد هنا، في بناء أقرب الى روح الشريط الوثائقي المتقشف في حواراته وشخصياته، أحوال مواطنين تعصف بهم أحداث سياسية عارمة، تبث فيهم عزوماً على التغيير والحرية وهزم اليأس وتفجير طاقات الشباب الخلاقة من أجل صناعة تاريخ جديد. يكون بطله الشاب السجين (آسر ياسين) الذي نجح في الهرب من معتقله بعد الهجوم على السجون خلال اضطرابات العام 2011، وبحثه المضني عن الأمان ونهاية قهره، نموذجاً لقطاع مصري هائل يسعى الى الإمساك بآماله. على منواله، صور الجزائري مرزاق علواش مآلات الحياة اليومية للعاصمة وهموم قاطنيها وأمانيهم، ولكن من فوق سطوح منازلها. يشّكل التقسيم الدرامي الذي اعتمده صاحب "عمر قتلته الرجولة"(1977)، و"التائب"(2012) في تقديم حكايات مختلفة، ما يقارب القصّ الشعبي الى خمس لحظات إجتماعية، تشير الى موار سياسي يقترب من انفجاره.
في المقابل، اختار العراقيان محمد الدراجي وهينر سليم حكايتين مختلفتين عن عسف السياسة وسلب الأمان الإجتماعي. ففي جديد صاحب "أحلام"(2006) و"ابن بابل"(2010)، عودة الى سجل مواجهات النظام السابق في "تحت رمال بابل"، منتخباً زاوية تاريخية رافقت حرب الكويت، وما تبعها من انتفاضة شعبية عمت جنوب العراق. وتدور حكايته حول جندي عراقي شاب يقع تحت شبهة كونه أحد المنتفضين بسبب تخلّيه عن زيّه العسكري خلال الإضطرابات الدموية. أما نص سليم "بلادي الحلوة.. بلادي الحادة"، الذي سبق ان شارك في عروض خانة "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي الأخير(ايار/مايو 2013)، فسرد علاقة حب بين معلمة كردية شابة (الممثلة الإيرانية غولشيفتيه فرهاني)، تقرر التدريس في قرية نائية تقع عند مثلث الحدود بين العراق وايران وتركيا، وقائد الشرطة الوسيم الذي تخلى عن منصبه الكبير في أربيل ليستقر في الجبال وعصاة ومهربين، قبل ان يخطف العشق قلبه!
مشاركات "آفاق جديدة"
في مسابقة "آفاق جديدة"، يعرض التونسي نجيب بلقاضي فيلمه "بستاردو" حول الشاب اللقيط "محسن" الذي يحارب جفاء الناس له عبر فكرة جماعية لا يستطيعون إنكارها، إذ يتشارك مع صديقه "خليفة" في تركيب جهاز "جي أس أم" للإتصالات، يُمكّن أهل القرية من استخدام هواتفهم الجوالة ويأسر قلوبهم!. فيما يسرد الفلسطيني راني مصالحة في "زرافاضة" حكاية ميلودرامية عن علاقة الصبي "زياد" مع زرافتين في حديقة حيوانات قلقيلية، قبل ان تقتل الصواريخ الإسرائيلية ذكرها. يسعى البطل بعناد نادر وبمساعدة والده الطبيب البيطري الأرمل "ياسين" (صالح بكري) إلى الحصول على بديل للأنثى الوحيدة. المشكلة ان الخيار الوحيد متوافر في حديقة حيوانات "رامات غان سفاري" الإسرائيلية. أما المصرية أيتن أمين فتقارب مفاهيم الحياة والمرض والفناء في باكورتها "فيّللا 69"، عبر قصة البطل "حسين" الذي يعيش في عزلة اختيارية، قبل أن تخترق شخصيات متضاربة النوايا، مثل شقيقته وابنها "سيف"، حياته فتقلب موازينه وقناعاته، وتؤسس عقيدة جديدة في كيانه حول معاني الحب والأواصر والحاجة العاطفية. في حين يعالج فيلم العراقي الكردي الأصل هشام زمان في باكورته ذي الدراما القوية "قبل سقوط الثلج" قضية جرائم غسل العار، عبر إصرار بطله الشاب "سيار" على مطاردة شقيقته "نرمين" التي هربت مع حبيبها الى أوروبا للزواج تفادياً لاعتراضات أهلها، بيد ان لقاءه مع الصبية "إيفين" الباحثة عن والدها الذي تخلى عنها وهي طفلة، تقود وعيه نحو مسابر غير متوقعة بشأن "جريمته المقبلة".
منافسات الوثائقي
ضمت مسابقة الأشرطة الوثائقية العناوين التالية: "جمل البروطة" للتونسي حمزة العوني عن يوميات سكان بلدة يعيشون بطالة وفقر وحياة بلا أفق. في حين صوّر مخرج "حياة بعد السقوط" العراقي قاسم عبد شريطه "همس المدن" كمتوالية صورية من ثلاثة مقاطع، تطلبت عشر سنوات لإنجازها، توزعت بين رام الله وبغداد وأربيل في كردستان العراق، استعرضت أوجه الحياة تحت الإحتلال والمفخخات الإرهابية ورعب القتل اليومي. أما المصري شريف القطشه فاحتفى بعوالم القاهرة ومتغيراتها وبشرها وزحمتها في عمله الثالث "القيادة في القاهرة" الذي صوره في الأعوام ما بين 2009 ـ 2012، مسجلاً تحولات المدينة الكبيرة قبل ثورة 25 يناير وما بعدها، عبر ظاهرة سيارات الأجرة وسائقيها وزبائنها!. أخيرا، هناك جديد مخرج "نساء عاشقات" و"ما هتفت لغيرها" السينمائي والناقد اللبناني محمد سويد المعنّون بـ "بلح تعلق تحت قلعة حلب"، وفيه يقدم "بورتريه" لشاب اختفى والده في أقبية المخابرات السوري منذ عام 1980، يروي تجربته منذ انخراطه بالثورة، حيث بدأ هتَافاً في التظاهرات الحاشدة إلى أن أصبح مقاتلاً في شوارع مدينة حلب.
برنامج "الفيلم الأول"
في البرامج الخاصة، يحتفي المهرجان هذا العام بالفيلم الأول لعدد من السينمائيين العرب المخضرمين والشباب، مستعيداً عناوين كلاسيكية مثل "أحلام المدينة" للسوري محمد ملص، "الصعاليك" للمصري داود عبد السيد، "عرق البلح" للراحل المصري رضوان الكاشف، "عصفور السطح" للتونسي فريد بوغدير، "صمت القصور" للتونسية أيضاً مفيدة تلاتلي، "بيروت الغربية" للبناني زياد دويري. ومن الأفلام الأولى الأحدث إنتاجاً التي يقدمها البرنامج، نقع على "الرحلة الكبرى" للمغربي اسماعيل فروخي و"غير صالح للعرض" للعراقي عدي رشيد.
زياد الخزاعي