أفلام عالمية تشعّ على شاشات مهرجان أبوظبي السينمائي
"لمسة الخطيئة" لجا جنكييمكن أن يختزل عنوان "الحماسة الإنسانية" مسارات اختيارات الدورة السابعة لمهرجان أبوظبي السينمائي التي أعلنت اليوم (الأول من تشرين الأول/أكتوبر2013). ذلك ان صفوة سينمائيي العالم اختاروا مساقط سينمائية مختلفة لمقاربة همّ الكائن الحداثي الذي يواجه صعوداً غير مسبوق للعسف السياسي وحروبه، الظلم الإجتماعي وضحاياه الهامشيين، المهانات الشخصية وخراب الضمائر، تراجع الإيمان وخطايا ناكريه، ضياع الهويات واختلاط الأنساب وتعاظم الهجرات. هذه أقدار بشرية ستشعّ على شاشات أبوظبي، وتقود مشاهدها نحو السؤال الأكثر أهمية: هل نعيش نكوص الحضارة التي بناها البشر بالدم والتحولات التاريخية الكبرى؟ هل نحث خطانا نحو أبواب عصر أكثر وحشية من قبل؟
أفلام الصفوة
جمعت خانات الدورة السابعة أسماء قامات سينمائية مشهود لها برؤيتها العميقة حول أحوال العالم وتواريخه وشؤونه وأبطاله ومنبوذيه. فصاحب "أرض محايدة"(2001) و"سيرك كولومبيا"(2010) البوسني دانيس تانوفيتش رصد محنة عائلة غجرية، وصراعها اليومي على جبهتي مرض الأم الشابة ومواجهتها الموت من جهة، والعنت الإداري الذي يطالب بنفقات عمليتها الجراحية من جهة أخرى، مغلفاً عنصريته المضمرة ضد الهامشيين، في فيلمه الآسر "فصل من حياة جامع خردة" الذي حاز الجائزة الكبرى في مهرجان برلين السينمائي (شباط/فبراير2013). على منواله، يتصدى الصيني جيا زانغي لخراب النفوس ومفهوم الإنتقام في "لمسة الخطيئة" الذي حصل على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان الأخير(ايار/مايو2013)، في حين يمتحن كل من البريطاني ستيفن فريرز في "فيلومينا"، وزميله الياباني هيروكازو كوري ـ إيدا في "الابن سر أبيه" الأصول العائلية واختلاط النطف وتبعات العودة الى كنف أسرة غريبة الطبائع والسير. على المنوال ذاته، يصيد صاحب "الإنسانية"(1999) و"خارج الشيطان"(2011) الفرنسي المميز برونو دومون الذمة الناقصة التي تؤدي بنحاتة لم تنل حقها من التقدير والإعتراف، الى مصح عقلي، بتهمة ملفقة من قبل أفراد عائلتها حول جنونها، في العمل التصحيحي لسيرة "كاميّ كلوديل 1915". تعود العائلة، ولكن في باريس المعاصرة، الى الواجهة في جديد مواطنه فيليب غاريل "غيرة" حول صراع للقيم الأخلاقية وخطاياها بين أب شاب يمتهن الكتابة المسرحية ونساء عدّة من حوله. وهذه الأخيرة (الخطيئة) تعود بسجال تحريضي وشاعرية سينمائية في نص صاحب "موسمي الصيفي للحب" البولندي بافل بافليكوفسكي "إيدا" حول دوافع بطلة شابة تستعد الى ترسيمها كراهبة، تقلب قناعاتها قريبة مثقفة سكيرة، تحمل سراً فاجعاً لعائلة مكلومة خلال الحكم الشيوعي في ستينات القرن الماضي.
أكثر نصوص "مسابقة الأفلام الروائية الطويلة" إثارة للإهتمام هو جديد المخرجة البوسنية ياسميلا زبانيتش "لهؤلاء الذين لا يبوحون الحكايات"، حيث تعود وضمن حكاية حزينة الى ذاكرة الحرب المريرة التي صورت فواجعها في رائعتها "غربافيتسا"("جائزة الدب الذهب" في مهرجان برلين السينمائي عام 2006). نتابع، هنا، قصة حقيقية لاكتشاف مرعب توصلت اليه سائحة أسترالية، يخص ملابسات مجزرة بلدة "فيشغارد" الحدودية التي حصد فيها الصرب أرواح 3 الآف بوسني مسلم. تساجل البطلة الشابة كيم أسباب الصمت الجماعي والنفاق السياسي اللذين حاولا تغطية جريمة حرب.
بعد علامات فارقة في السينما المستقلة الأميركية، على شاكلة "أغرب من الجنة"(1984) و"زهور مكسورة"(2005)، يختار المخرج الإشكالي جيم جارموش مدن المغرب، ويجعلها خلفية لكوميديا سوداء حول مصاصي دماء حداثيين، يواجهون خطر انقراضهم بسبب ...تلوث دماء بشر الألفية الثالثة!. أما زميله البريطاني بول غرينغراس الذي عرف شهرة عبر السلسلة السينمائية للعميل "بورن" المقابل الهوليوودي لـ "جايمس بوند"، فاختار حكاية الإختطاف الشهير لسفينة شحن أميركية على يد قراصنة صوماليين في عمله الأخير "الكابتن فيليبس"، ومحنة قائدها في الحفاظ على أرواح طاقمه من رصاصات شباب مدججين بالإنتقام، وجشع الحصول على الفدية الثمينة من شركات التأمين.
أفلام الشباب
ستتاح فرصة ثمينة لجمهور أبوظبي لاكتشاف أصوات سينمائية واعدة، مثل الكازاخستاني أمير باغازين وعمله المفاجيء "دروس في التناغم"، عن يافع يواجه تحرشات زملائه في المدرسة، تؤدي الى جريمة قتل!. أما زميله الروماني كلين بيتر نيتزر الذي كُرم بـ"جائزة الدب الذهب" في مهرجان برلين السينمائي الأخير (شباط/فبراير 2013) عن عمله الصادم "معضلة ابن" فقد سلط الضوء على السقوط الأخلاقي لطبقة نافذة في رومانيا ما بعد تشاوتشيسكو. في حين قاربت الأميركية الموهوبة كيلي رايكارد عوالم فيلمها السابق "مسلك ميك المختصر"(2010) الذي صورت فيه مسيرة مضنية لمستعمرين بيض في براري الغرب الأميركي، جيلاناً أخر في جديدها "تحركات ليلية" حول الإرهاب البيئي. في حين صور الهندي الموهوب ريتشي مهتا في "سيدهارث" حكاية صاعقة حول اختطاف صبي من قبل عصابات منظمة سرية تتاجر بالرقيق، وهي الحكاية ذاتها التي تعود بنفس تشويقي في نص البرازيلي فرناندو كويمبرا "ذئب عند الباب" حول محنة عائلتين في اختفاء ولديهما. بينما صور الأميركي دستن دانيال كريتون في "مصطلح مختصر 12" حكاية نضال شابة تعمل في مؤسسة حكومية تُعنى بالعنف الموجه ضد اليافعين. صاحب "حديقة أحمد"(2008) الأسترالي أرون ويلسون، يشارك ضمن مسابقة "أفاق جديدة" بعمله "كانوبي" عن طيار أسترالي، تُسقط طائرته في مجاهل غابات سنغافورة خلال الحرب العالمية الثانية، يشق طريقه نحو الخلاص والطهارة من الحروب.
على طرف الكوميديا، تشارك المخرجة البنغالية أبارنا سن بجديدها "صندوق المجوهرات" المقتبس عن رواية لغوينار باكشو حول سيدة تستعين بالأرواح كي تحافظ على كنز عائلي من جشع ومؤامرات الأقارب. يزاوج المخرج البلجيكي فيلكس فن غروينينغن بين الموسيقى والحب في عمله الميلودرامي القوي "انهيار الدائرة المكسورة"، عن لقاء موسيقي جوال مع شابة تمتهن رسم الوشوم، قبل ان يتزوجا ويخلفا طفلة، تبدأ عليها مظاهر المرض القاتل، لينهار عالمهما بوجع ينذر بموت إلفتهما.
وثائقيات العالم
تستقطب الدورة السابعة للمهرجان عدداً من أبرز الأشرطة الوثائقية المميزة التي قاربت مواضيع سياسية واجتماعية، تعلن المخاطر الجدية للتعصب والإقصاء. ولعل شريط المعلّم الكمبودي ريتي بان "الصورة الناقصة" نموذجاً باهراً للفيلم السياسي المناهض للتوتاليتارية وقمعها. صور فيه حكاية تصفية عائلته على يد أزلام "الخمير الحمر"، ولكن باستخدام دمى طينية! أما زميله الإيطالي جيانفرانكو روسي فقد حمل كاميرته ووثّق حيوات بشر هامشيين يعيشون على حواف الطريق السريع الدائري حول العاصمة روما في "طوق غرا المقدس". حاز تفرسه الإجتماعي "جائزة الأسد الذهب" في مهرجان البندقية السينمائي (ايلول/سبتمبر 2013). فيما رمى زميله الفرنسي فابيان كونستان سهامه في "الآنسة سي" على قضية الصحافية كارين روتفيلد التي كانت المرأة الثانية في إدارة مجلة "فوغ" المتخصصة في الأزياء، وقرارها الحاسم في إصدار مجلة منافسة تتخذ من حروف اسمها الأولى "سي أر" عنواناً لها. بينما تصدى الأميركي دوغلاس كاس، مدعوماً من أشهر كاتب في موطنه وصاحب الروايتين الشهيرتين "حرية" و"التصويبات"، جوناثان فرانزين، الذي كشف في مقالة صحافية نشرها سابقا واثارت جدلاً تفاصيل جريمة بيئية تجري منذ عقود في قبرص، استند اليها في عمله "إفراغ السموات"، كاشفاً عن أساليب وحشية في صيد أندر الطيور المهاجرة والعابرة للجزيرة المتوسطية.
زياد الخزاعي