أميركا المصارف والعقارات بحسب رامين بحراني
لقطة من فيلم "99 منزلاً" إخراج رامين بحرانينديم جرجورة
المخرج الايراني المقيم في الولايات المتحدة رامين بحراني يمنحنا دائماً الاحساس بأنه يقول ما يوّد قوله ويمشي. بعد مجموعة أفلام جرت أحداثها في المدن، انتقل المخرج الشاب مع فيلمه السابق "بأي ثمن" الى الريف الأميركي. اميركا التعصب وعدم التسامح، حيث الشطارة الكبرى هي كسب المزيد. في هذه البيئة حيث العائلات تتناحر، أحياناً بصمت وأحياناً بالصراخ، نتابع ما يجري بين أب وابنه في مسألة توريث أعمال العائلة المرتبطة بالأراضي الزراعية. دائماً خلف المظاهر البراقة للعائلة المتحدة، هناك حقائق أخرى، يبحث عنها بحراني، ليجد نفسه "متورطاً"، اخلاقياً وسينمائياً، في واجب نقل الصورة الأكثر أمانة لهذه العائلة، التي تظل متضامنة، بأي ثمن، أقله ظاهرياً، لإنقاذ بزنس العائلة وأوضاعها.
"99 منزلاً" خامس فيلم روائي طويل لبحراني الذي باشر العمل في السينما في نهاية التسعينات من القرن الماضي. الفيلم شارك في مسابقة الدورة الأخيرة من مهرجان البندقية السينمائي. من خلال نصّ متماسك، يحملنا بحراني الى ازمة العقارات في الولايات المتحدة بأسلوب ايقاعي يقطع الانفاس. الافتتاحية ملهمة والاهداء للناقد الراحل روجر ايبرت الذي كان دعم بحراني في بداياته. التوتر العالي يرافق تقريباً كل فصول الفيلم المتحولة والمتبدلة، وعندما يتراجع أحياناً ليدع المُشاهد يلتقط أنفاسه، نراه يحافظ على حال من التشدد والرهبة. الممثل الشاب أندرو غارفيلد يضطلع بدور ناش، عامل متواضع يعيش مع أمه وابنه (الزوجة غائبة) في واحدة من تلك المدن الأميركية التي يحلو للإيراني الآخر، أمير نادري، تصويرها ونقل واقعها. المخرج نادري، المُشارك في السيناريو، يعرف جيداً هذا الهامش المنسي، بكل ما يتضمنه من نمط حياة يتطور في شبه العزلة وشبه الاقصاء.
فيلم بحراني لا يصوّر الفقراء ولا متعاطي المخدرات ولا المجرمين، بل هؤلاء الناس العاديين من الطبقة تحت الوسطى الذين لا يحلمون الا بمنزل مع حديقة من دون ان يؤمنوا بالضرورة بالحلم الأميركي. ولكن، هناك مَن يتربص بهم وبأحوالهم المادية ويريد انتزاع املاكهم وتحطيم آمالهم، ولا يهم اذا كان "الهدف" شاباً لا يزال قادراً على العمل أو شيخاً في خريف عمره. الشرّ كله مجسد هنا في شخص نيك كارفر (مايكل شانون في قمة فنه)، سمسار عقارات، وحش مادي يتعامل مع مصرف يرهن الناس بيوتهم فيه. ناش هو واحد من هؤلاء الضحايا الذين سيتلقّون زيارة من نيك يُعلمه فيها بأن لديه دقيقتين فقط لإفراغ محتوى المنزل والرحيل. اللحظة قاسية، يصورها بحراني بكل تفاصيلها النفسية والضغط الذي يمارسه المتواطئون على الضحية. قبل ذلك، رأينا ناش وهو يحاول اقناع القاضي عبثاً بمنحه المزيد من الوقت لتسديد المبلغ الذي استدانه من المصرف. طبعاً، الكل متواطئ، الشرطة تخدم صاحب المال وليس المواطن، الخ.
ينطوي الفيلم في جزئه الأول على نقد لاذع لنظام مصرفي لا يرحم أحداً. الاخراج يمسك بالمُشاهد ولا يتركه الا بعد 112 دقيقة. الهنة الوحيدة في الفيلم هي في تحول شخصية ناش. فجأةً، تصبح لديه صحوة ضمير عندما يدرك أنه يقف في مكان الجلاّد بعدما كان الضحية. فهذا نظام يعيد تدوير الناس وضمائرهم الى ما لا نهاية. سينمائياً، المشكلة ليست في عذاب الضمير، فالشاب لا يُبدي أيّ نزوع الى الشر منذ البداية، إنما في تقديمه على هذا النحو العاطفي والسهل: ذلك المكان الخطر الذي تنزلق اليه دائماً السينما الأميركية.
عرض الفيلم : الجمعة 10/24/ 2014 21:15 Emirates Palace